البرهان في علوم القرآن
محقق
محمد أبو الفضل إبراهيم
الناشر
دار إحياء الكتب العربية عيسى البابى الحلبي وشركائه
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٣٧٦ هـ - ١٩٥٧ م
وَأَمَّا مَا بُدِئَ بِحَرْفٍ وَاحِدٍ فَاخْتَلَفُوا فِيهِ فَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَجْعَلْ ذَلِكَ حَرْفًا وَإِنَّمَا جَعَلَهُ اسْمًا لِشَيْءٍ خَاصٍّ وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَهُ حَرْفًا وَقَالَ أَرَادَ أَنْ يَتَحَقَّقَ الْحُرُوفَ مُفْرَدَهَا ومنظومتها
فأما ما ابتدئ بِثَلَاثَةِ أَحْرُفٍ فَفِيهِ سِرٌّ وَذَلِكَ أَنَّ الْأَلِفَ إِذَا بُدِئَ بِهَا أَوَّلًا كَانَتْ هَمْزَةً وَهِيَ أَوَّلُ الْمَخَارِجِ مِنْ أَقْصَى الصَّدْرِ وَاللَّامُ مِنْ وَسَطِ مَخَارِجِ الْحُرُوفِ وَهِيَ أَشَدُّ الْحُرُوفِ اعْتِمَادًا عَلَى اللِّسَانِ وَالْمِيمُ آخِرُ الْحُرُوفِ وَمَخْرَجُهَا مِنَ الْفَمِ وَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ هِيَ أَصْلُ مَخَارِجِ الْحُرُوفِ أَعْنِي الْحَلْقَ وَاللِّسَانَ وَالشَّفَتَيْنِ وَتَرَتَّبَتْ فِي التَّنْزِيلِ مِنَ الْبِدَايَةِ إِلَى الْوَسَطِ إِلَى النِّهَايَةِ
فَهَذِهِ الْحُرُوفُ تَعْتَمِدُ الْمَخَارِجَ الثَّلَاثَةَ الَّتِي يَتَفَرَّعُ مِنْهَا سِتَّةَ عَشَرَ مَخْرَجًا لِيَصِيرَ مِنْهَا تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ حَرْفًا عَلَيْهَا مَدَارُ كَلَامِ الْخَلْقِ أَجْمَعِينَ مَعَ تَضَمُّنِهَا سِرًّا عَجِيبًا وَهُوَ أَنَّ الْأَلِفَ لِلْبِدَايَةِ وَاللَّامَ لِلتَّوَسُّطِ وَالْمِيمَ لِلنِّهَايَةِ فَاشْتَمَلَتْ هَذِهِ الْأَحْرُفُ الثَّلَاثَةُ عَلَى الْبِدَايَةِ وَالنِّهَايَةِ وَالْوَاسِطَةِ بَيْنَهُمَا
وَكُلُّ سُورَةٍ اسْتَفْتَحَتْ بِهَذِهِ الْأَحْرُفِ فَهِيَ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى مَبْدَأِ الْخَلْقِ وَنِهَايَتِهِ وَتَوَسُّطِهِ مُشْتَمِلَةً عَلَى خَلْقِ الْعَالَمِ وَغَايَتِهِ وَعَلَى التَّوَسُّطِ بَيْنَ الْبِدَايَةِ مِنَ الشرائع والأوامر فتأمل ذلك في البقرة وآل عمران وتنزيل السَّجْدَةِ وَسُورَةِ الرُّومِ
وَأَيْضًا فَلِأَنَّ الْأَلِفَ وَاللَّامَ كَثُرَتْ فِي الْفَوَاتِحِ دُونَ غَيْرِهَا مِنَ الْحُرُوفِ لِكَثْرَتِهَا فِي الْكَلَامِ
وَأَيْضًا مِنْ أَسْرَارِ عِلْمِ الْحُرُوفِ أَنَّ الْهَمْزَةَ مِنَ الرِّئَةِ فَهِيَ أَعْمَقُ الْحُرُوفِ وَاللَّامَ مَخْرَجُهَا مِنْ طَرَفِ اللِّسَانِ مُلْصَقَةٌ بِصَدْرِ الْغَارِ الْأَعْلَى مِنَ الْفَمِ فَصَوْتُهَا يَمْلَأُ مَا وَرَاءَهَا مِنْ هَوَاءِ الْفَمِ وَالْمِيمَ مُطَبَقَةٌ لأن مخرجها من الشفتين إذا أطبقا وَيُرْمَزُ بِهِنَّ إِلَى بَاقِي الْحُرُوفِ كَمَا رَمَزَ
1 / 168