وبينا هم كذلك، إذا بأنصار محمد وأتباعه يرون حولهم ومن خلفهم وأمامهم جنودا بيضاء أبدع ما يكونون جمالا، وكانوا جنودا من الملائكة، أنزلهم الله ليتمموا المقصد، ويعاونوا جيش المسلمين، فلما رآهم جند ببدر هللوا قائلين: الله أحد، الله أحد.
ثم هجموا هجمة واحدة صادقة، أطاحت برءوس الكثيرين من كبراء قريش وهزمت أجنادهم، وانجلت المعركة عن نصر مبين، وخذلان - وأي خذلان - لقريش، القوم الكافرين.
وأمر الرسول بشهداء بدر فدفنوا، وهم أولئك الذين ولا شك صاروا في الجنة، ولم ينس الرسول قبل أن يغادر مكان بدر أن يمر على القبر الذي حشرت فيه جثث كبار قريش، ويخاطبهم بقوله: «بئست العشيرة كنتم لنبيكم؛ كذبتموني وصدقني الناس (يعني الأنصار)، وأخرجتموني وآواني الناس، وقاتلتموني ونصرني الناس، فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا؟ فإني وجدت ما وعد ربي حقا.»
لعل انتقام الله كان شديدا من قريش في معركة بدر، فإن بلالا - وقد كان مولى أمية بن خلف، من أكابر زعماء قريش وسادتها - جز رأس سيده بالأمس، وقد كان فظا غليظ القلب كالصخر الصلد لا يلين، فلا يعرف رحمة، بل لا يدري للشفقة معنى، كان يحكم وثاق بلال حين اتصل بمسمعه نبأ إسلامه، ويشد على بطنه، ويجعله في الظهيرة ملقى تحت أشد أشعة الشمس وهجا ووقدا، وهو يقول متشفيا منتقما: أما زلت يا بلال تتابع محمدا على دينه؟ فيجيبه بلال رضي الله عنه: الله أحد، الله أحد.
ومن أبدع الظواهر التي تدل على تفاني المسلمين في سبيل العقيدة مضحين حتى بالآباء والأبناء لنصرة الدين وإعلاء كلمته ورفع منارته: أن أبا حذيفة بن عيينة شاهده الرسول
صلى الله عليه وسلم
وقد تغير وجهه بعد قتل أبيه في المعركة، فقال له الرسول
صلى الله عليه وسلم : «أدخلك من شأن أبيك شيء؟» قال: لا والله يا رسول الله، ما شككت في أبي ولا في مصرعه، ولكن كنت أعرف منه رأيا وحلما وفضلا، فكنت أرجو أن يهديه ذلك إلى الإسلام، فأحزنني أن يموت هذه الميتة على الكفر.
معركة بدر
لقد كانت فاتحة الفتوحات الإسلامية، كانت حجر الزاوية في بناء الإمبراطورية الإسلامية التي شيد أسسها محمد، ودعمها بخير ما يدعم به الملك.
صفحة غير معروفة