452

سقيا لظلك يا أروند من جبل

وإن رميناك بالهجران والملل

هل يعلم الناس ما كلفتني حججا

من حب مائك إذ يشفي من العلل

لا زلت تكسى على الأنوار أردية

من ناضر أنق أو ناعم خضل

حتى تزور العذارى كل شارقة

أفياء سفحك يستصبين ذا الغزل

وأنت في حلل والجو في حلل

والبيض في حلل والروض في حلل

وقالوا: أطيب البلدان ما طاب هواؤه وعذب ماؤه وكثر كلأه. والماء مزاج الروح وصفي النفس وقوام الأبدان الناطق وغير الناطق بمجانسته لها ومعادلته إياها.

ومن فضيلته أن كل شراب وإن رق وصفا وعذب وحلا فليس بعوض عنه ولا مغن عنه، بل يطيب بمزاجه ويعذب بمخالطته حتى يجري في العروق بلطافته، وينساب في المفاصل برقته. مع خاصيته في ري الظمأ وإطفائه ضرام نار الحشا. ولولاه ما عرف فضل البستان على الجنان، ولكان وغيره سيان. ولقد جعلته العرب مثلا فقال القطامي:

فهن ينبذن من قول يصبن به

مواقع الماء من ذي الغلة الصادي

وقال آخر:

أماني من سعدى عذاب كأنما

سقتك بها سعدى على ظمأ بردا

وذكر أبو جعفر محبرة النديم (1) أنه حمل للموفق عند خروجه إلى الجبل من ماء دجلة ألف خماسية (2). فلما وافى همذان، وصف له ماؤها فشرب منه واستطابه وترك ماء دجلة، وجعله شرابه.

وطلب (3) الشعبي على مائدة قتيبة بن مسلم- وقد قيل غيره- ماء، فلم يدر

صفحة ٤٦٤