... قال المفسر : لو تكلف متكلف إخراجها من الفم مع هذه الخمسة عشر حرفا لأمكن بعلاج ، وهذا يتبين بالمحنة ، وإذا كانت النون ساكنة ، وبعدها حروف الحلق ، وهي ستة ، كان مخرجها من الفم ،منموضع الراء واللام ، وكانت بينة غير خفية ، وتدغم النون الساكنة في خمسة أحرف ،وهي : الراء ، واللام ،والميم ، والواو ، والياء ، ويجمعها / ويرمل ، فإذا أدغمت في حرف من هذه الحروف صارت من جنس ذلك الحرف ، 20 أوذلك قولك : من رحمك ، ومن لك ، ومن معك ،ومن وراءك ، ومن يكون معك ، وتنقلب ميما مع الياء ، كقولك في عنبروشنباء : عمبر ، وشمباء ، ولو تكلف المتكلف إخراجها من الفم وبعدها باء لأمكن على مشقة، وبعلاج ، وإنما تخرج من الخيشوم وهي ساكنة ، وبعدها الباء فتقلب ميما ؛لأن الباء لازمة لموضعها ، ولا تخطي لها عنه ، ولا مد لصوتها في غيره ، فكرهوا تكلف إخراجها من الفم لما ذكرته لك، وتباعد ما بين الخيشوم وبين مخرج الباء من الشفتين ، ولم يكن بينهما مشابهة تجمعها ، فطلبوا حرفا بينهما بملابسة تكون بينة وبين كل واحد منهماوهو الميم ، وذلك أن الميم من مخرج الباء ، وتدغم الباء فيه، فهذه ملابسة الميم للباء ن وفي الميم غنة في الخيشوم ، فهذه ملابسة الميم للنون التي من الخيشوم، فإن قال قائل : فهلا كانت الباء كالحروف الخمسة عشر التي تخفى النون/ 20 ب الساكنة قبلها ، أوكحروف الحلق التي تبين قبلها النون ، فالجواب أن النون الخفيفة إنما تخرج من حروف الأنف (¬1) الذي ينجذب إلى داخل الفم ، لا من المنخر ، فلذلك خفيت مع حروف الفم ؛ لأنهن يخالطنها ، وتتبين عند حروف الحلق ؛ لبعدهن عن الحرف الذي يخرج منه الغنة ، وحروف الشفتين تنطبق عليهن الشفتان ، فتنحصر الغنة ، وقد أطبق على الباء ، فتصير بمنزلة غنة ليس بعدها حرف ، والنون الساكنة إذا لم يكن بعدها حرف كانت من الفم ، وبطلت الغنة ، كقولك عن ومن ، ونحو ذلك مما يوقف عليه من النونات ، فكانت الميم أسهل عليهم ؛ لما فيها من الغنة ،ولإنها من مخرج الباء من بيانها ، فإن قال قائل ، فإن قال قائل : لم لا يوقف على النون الخفيفة ؟ قيل له : أصل خروج النون مخلوط بشيء من الغنة من الألف ، ثم تلحقها في الوقف بالانتهاء إلى موضعها من الفم البيان بلستقرارها في موضعها من الفم ، وإذا كان بعدها حرف من الخمسة عشر أغنى عن ذلك ، كما أن القاف إذا وقف عليها كان بعدها صويت / هي القلقلة ، وإذا وصلت بطلت . ... ... 21أ
... وأما الهمزة التي بين بين فإن سيبويه عدها حرفا واحدا ، وينبغي عندي في التحقيق أن تعد ثلاثة أحرف ، وذلك أن~ همزة بين بين هي الهمزة التي يجعل بين الهمزة وبين الحرف الذي منه حركتها ، فإذا كانت الهمزة مكسورة ، فجعلته بين بين ، فهي بين الهمزة والياء ، وإذا كانت مضمومة ، فجعلته بين بين ، فهي بين الهمزة والواو، وإذا كانت مفتوحة ، فجعلته بين بين ، فهي بين الهمزة والألف ، ولما الياء غير الواجب ،وجب أن يكون الحرف الذي بين الهمزةوالياء غير الحرف الذي بين الهمزةوالواو ، وكذلك الذي بين الهمزة والألف ، وقد مر الكلام في همزة بين بين في باب الهمزة وألف الترخيم ، يعني الإمالة ، وسماها ألف الترخيم لأن الترخيم تليين الصوت ، ونقصانالجهر فيه ، قال ذو الرمة:
... لها بشر مثل الحرير ومنطق درخيم الحواشي لا هرآء ولا نزر (¬1)
وقد مر باب الإمالة وأحكامها .
صفحة ٢٥