وما ذكر من أن العفو جائز عقلا معارض بمثله فيقال : بل قبيح عقلا لأنه إغراء على فعل القبيح، بيانه أن الآمر الناهي إن لم يعاقب على مخالفته تجرأ المأمور عليها وسقطت ثمرة الأمر والنهي، لأنه يصير المأمور والمنهي الممتثل وغيره على سواء، وإن قيل بحسنه عقلا في جزئية لا تتكرر كالعفو عمن أساء إليك فلا سواء إذ هذه أعمال بتكاليف تنبني على أصول وضوابط وحواجز مانعة رادعة حتى قضى العقل بأن عفوك عن المسئ لو عرف تجريه على المعاودة بسبب العفو لكان قبيحا، فكيف بعد التصريح بمثل قوله تعالى: {ما يبدل القول لدي وما أنا بظلام للعبيد}، {ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع}، {ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءا يجز به} وغير ذلك كثير.
إذا تقرر هذا فيجب حمل ماروي عن بعضهم عليه وتأويله ورده اليه بأي وجه من الوجوه.
فمثل دعاء علي بن الحسين عليه السلام:( اللهم إن تشأ تعذبنا فبعدلك، وإن تشأ تعف عنا فبفضلك)، يحمل على التأدب، وأن المعنى أنك لو شئت أن تعذب ولا تقبل([80]) التوبة أو تعذب على الصغيرة لكان عدلا، لأن ذلك من الله تعالى تفضل، وهذا معنى كون العبد تحت المشيئة لكنك لم تشاء ذلك بما وعدت.
صفحة ٤٧