معظم معتنقي البوذية في الغرب يكونون من الطبقة الوسطى فضلا عن كونهم بيضا ويشكلون أغلبية عرقية. إن تناول قضايا التنوع العرقي داخل الحركات البوذية الغربية ما زال إلى حد كبير في مراحله الأولية، ويكون في الغالب في صورة مبادرات وقتية تهتم في أغلب الأحيان برفع الوعي ودعم الحوار. ومن أوائل الأمثلة كان ذلك العدد الخاص من المجلة البوذية الأمريكية «ترايسيكل» الذي تناول «الدارما والتنوع والعرق» في عام 1994. وأصدرت أيضا مجلة زمالة السلام البوذية الأمريكية التي تحمل اسم «تيرنينج وييل» (تدوير العجلة) عددا خاصا حول هذا الموضوع في عام 1999، ومنذ ذلك الحين وهي تصدر أعدادا خاصة عن البوذيين من أصل أفريقي، والبوذيين من أصل آسيوي، والبوذية في أمريكا اللاتينية، وأصدرت عددا عن تكوين تحالفات بين البيض والملونين لمكافحة العنصرية.
من المؤثرات الأساسية على تطور البوذية في الغرب أفكار الفردية والاستقلالية والاعتماد على الذات. هذه الأفكار ما زالت تؤثر تأثيرا قويا على طريقة تناول الغربيين للبوذية. وهذا الأسلوب يتعارض مع الطريقة التي يرى بها أفراد مجتمعات الملونين أنفسهم. إن ظروف التمييز والظلم قد تقود الأشخاص الملونين إلى تكوين شبكات تضامن لمواجهة ظروفهم الاجتماعية؛ وبذلك يقل ارتباطهم بفكرة «الفردية» الغربية.
إن نشأة «البوذية المعنية بقضايا المجتمع» قدمت فرصا جديدة لمواجهة مشكلات الإثنية و«العرق»، على الرغم من أنه باستثناء جهود سوكا جاكاي الدولية، فإن العرق والمشكلات الثقافية لم يلعبا دورا كبيرا لدى البوذية المعنية بقضايا المجتمع في الغرب. على النقيض من ذلك، فإن الكنائس المسيحية تمتلك عقودا من الخبرة في مواجهة قضايا الظلم والتمييز العرقي؛ مما أسفر عن مجموعة كبيرة من الأعمال والتأملات الدينية. ومرة أخرى، فإن كثيرا من الموضوعات التي تبنتها البوذية المعنية بالقضايا الاجتماعية مثل حقوق الإنسان، والبيئة، والسلام، اختلفت عن الموضوعات التي تبنتها بوذية جماعات الملونين الذين تناولوا العدالة الجنائية، وسلامة المجتمع، والتعليم ، والحصول على رعاية صحية ذات جودة عالية، والتوظيف. علاوة على ذلك، كثير من حركات اعتناق البوذية تقدم تعاليمها بطريقة تسلم بوجود معرفة وتقدير كبيرين للثقافة الغربية الرفيعة لدى متلقيها. وأدى هذا إلى رواج هذه الحركات على نحو أساسي لدى الأشخاص ذوي المستوى التعليمي فوق المتوسط. وبالنسبة إلى معظم الجماعات البوذية الغربية، فإن قابلية تطبيق تعاليمها على قضايا التمكين الاجتماعي، والتمييز المجتمعي، والاختلافات الثقافية، ما زالت غير مستكشفة إلى حد كبير.
تنوير بوذي؟
ما زالت هناك جوانب أخرى للصراع المحتمل بين البوذية والفكر الغربي، وكثير من الاختلافات أخفاها مفسرو المنهج الحداثي بدلا من مواجهتها على نحو مباشر. أما ما يبدو أننا في حاجة إليه فهو «تنوير بوذي»، أي تحديث منهجي للأسس الفكرية للدين على نحو يسمح بظهور مجموعة تعاليم واضحة ومتسقة متعلقة بقضايا عصرية. وفي العقد الأخير بدأت حركة تضم نطاقا عريضا من الأتباع وتدعى «البوذية المتفاعلة اجتماعيا» محاولة مواجهة مسائل ذات طبيعة اجتماعية وسياسية وأخلاقية. تبحث هذه الحركة القائمة على تعاليم الراهب الفيتنامي تيك نات هان عن طرق لتطبيق التعاليم القديمة على تحديات الحياة المعاصرة. وهذه ليست بالمهمة السهلة؛ فإلى حد كبير تعد البوذية ظاهرة سابقة للحداثة وخبرتها قليلة في المشكلات التي تثيرها الحياة في الغرب. وقد ظل أحد مراكز الثقافة البوذية المهمة - التبت - دولة دينية ثيوقراطية تحكمها روح العصور الوسطى حتى منتصف القرن الماضي؛ إذ كانت منعزلة تقريبا عن العالم الخارجي. أما البوذية في بقية أنحاء آسيا فقد صممت إلى حد كبير بحيث تناسب احتياجات المجتمعات الزراعية التي يعيش فيها الفلاحون وتحيا فيها القرية والدير في تكافل. والمشكلات التي تظهر في هذه المجتمعات لا تشبه تلك التي يواجهها سكان المجتمعات الحضرية في الغرب الذي لا يوجد فيه إجماع حول المسائل الدينية والأخلاقية، ويتصرف فيه الأفراد باعتبارهم وحدة مستقلة لا في إطار شبكة علاقات قرابة أو نسب. إن نجاح البوذية في القدرة على إعادة تشكيل نفسها من أجل الغرب سوف يحدد مدى انتشارها باعتبارها قوة دينية سائدة في المجتمع الغربي .
بوذية جديدة للغرب؟ «لماذا لا تتكون في نهاية المطاف بوذية غربية أو نافايانا أو «مركبة جديدة» ... لا تتكون بهذه الصورة على نحو متعمد، بل تنمو نموا طبيعيا من الجذور نفسها التي نمت منها كل أشكال البوذية الأخرى، ألا وهي سجل تنوير بوذا؟ لا يوجد سبب يحول دون تطورها جنبا إلى جنب مع أفضل ما أنتجه الغرب من علوم طبيعية وعلوم نفسية واجتماعية، بل وحتى الامتزاج بها؛ ومن ثم التأثير على مجال الفكر الغربي المتغير باستمرار. ولن تكون هذه البوذية هي التيرافادا أو الزن ... فما ستكون عليه هذه البوذية بالضبط هو أمر لا نعرفه، ولا يهمنا في الوقت الحاضر. إن الداما في حد ذاتها خالدة، لكن أشكالها يجب أن تتغير باستمرار لخدمة الحاجة البشرية المتغيرة باستمرار.»
الكلمات السابقة تعود إلى كريسماس همفريز (1901-1983)، الرئيس المؤسس للجمعية البوذية في إنجلترا. وهذه الكلمات مأخوذة من كتابه «ستون عاما من البوذية في إنجلترا».
إن المعضلة التي تواجهها البوذية ليست فريدة من نوعها، وتحمل التطورات المعاصرة في الأديان الأخرى تشابها معها على نحو مثير. ولن يكون أمرا فريدا من نوعه لو حدث أن أدت التوترات الموجودة داخل البوذية إلى الانقسام إلى طائفة محافظة وطائفة تقدمية على غرار الانقسام إلى الجناح الأرثوذكسي والجناح الليبرالي في اليهودية. وربما يعيد التاريخ نفسه، ويستحضر وصول البوذية إلى الغرب نسخة معاصرة من «الانقسام الكبير» الذي حدث في البوذية في القرن الثالث قبل الميلاد وقسم البوذيين إلى ليبراليين ومحافظين. ومن المجموعات المكرسة لتطوير نوع غربي مميز من البوذية جمعية أصدقاء الرهبانية البوذية الغربية التي تتخذ من لندن مقرا لها. ويعيش أعضاء هذه المجموعة في مجتمعات، ويعكفون على تطوير مجتمع بديل يدعمه المشاركون فيه ويسير على نحو متفق مع مبادئ البوذية.
ويعد التطور الحديث في مجال تكنولوجيا المعلومات أحد العوامل الأخرى التي سوف تؤثر على انتشار البوذية؛ فظهور «سانجا إلكترونية» - شبكة مجموعات بوذية في الولايات المتحدة مرتبطة بأجهزة الكمبيوتر - وتوافر معلومات عبر الإنترنت عن البوذية من خلال وسائط إلكترونية مثل «دورية الأخلاقيات البوذية »؛ يعني أن الأفراد حول العالم أصبح لديهم الآن عبر الإنترنت نافذة على مجتمع بوذي «افتراضي» على نحو لم يكن موجودا من قبل. إن وجود شبكة معلومات عالمية يجب أن يسهم إلى حد كبير في تقليل أشكال سوء الفهم التي شهدها الرجال العميان عند مقابلتهم للفيل الذي أشرنا إليه في الفصل الأول.
ويصف المؤرخ أرنولد توينبي اللقاء بين البوذية والغرب بأنه «واحد من أهم وأعظم اللقاءات في القرن الحادي والعشرين»؛ فالبوذية تجلب إلى الغرب باعتباره ملتقى الثقافات علم نفس رفيع المستوى وأساليب تأمل وميتافيزيقا عميقة وميثاق أخلاق يحظى بإعجاب عالمي. ويقدم الغرب التجريبية المشككة والعلم البراجماتي والتكنولوجيا والالتزام بالديمقراطية وحرية الفرد. ولو علمنا تاريخ انتشار البوذية في الثقافات الأخرى درسا، فإن هذا الدرس يتمثل في أنه عند التقاء البوذية مع الثقافات الأخرى سوف يولد نوع جديد ومميز تماما من البوذية.
صفحة غير معروفة