البؤساء في عصور الإسلام

محمود كامل فريد ت. 1450 هجري
59

البؤساء في عصور الإسلام

تصانيف

وله من التصانيف والمؤلفات بدائع شتى تنبهر منها العقول. وله في وصف الحياة:

الحياة على حالتها وما فيها من علل وآلام، وقيود وأغلال، وسراء وضراء؛ تبدو لنا زاهية جميلة.

الحياة على كثرة همومها وما نقاسيه من أمراضها الوبيلة نهيم فيها عشقا، ولا نطيق الرحيل منها؛ لأننا نجد في الموت عقائد ما عرفناها بعد.

الحياة على علاتها جميلة فاتنة تسحر العقول، وتلعب بالألباب، وهي كالهالة بين متناقضات من الأحزان والأشجان، وكوارث الزمن وشقاء العمر والآلام الثقيلة، ولكنا وسط هذه الآلام تقودنا الآمال العذبة فنتعلل بها؛ وحينئذ يظهر لنا الكون باسما ضاحكا، والحياة خضراء ناضرة، والطيور تغرد بألحانها الشجية، والمياه تضطرب بين أمواج متراكمة، والنسيم يهب عليلا بليلا، كأنه ترديد أنفاس الطبيعة الخلابة. توفي رحمه الله سنة «710 هجرية».

أبو الحسن علي بن صاعد الصدفي

هو العالم الفلكي المشهور المعروف ب «ابن يونس المصري»، صاحب الزيج الحاكمي المعروف ب «زيج ابن يونس»، وقد وضعه في أربعة مجلدات كبار. وكان ابن يونس المذكور أبله مغفلا، بائس الحظ في الدنيا. وكان غريب الشكل؛ يجعل عمامته على طرطور عجيب الوضع، وكان إذا لبس العباءة في فصل الشتاء يجعلها فوق الطرطور. وكان طويل القامة جدا، إذا مشى نظر الناس إليه باستغراب، وإذا ركب على دابة ضحك الناس عليه لطول ساقيه؛ إذ يكادا أن يكونا مرتفعين عن الأرض قليلا. وكان سيئ الحال رث الثياب، وله مع هذه الهيئة منزلة عظيمة، بل هو أعلم الناس بحرفة التنجيم، وأمهرهم في علم الفلك، ولا جدال في ذلك، وعلى نبوغه لا يشاركه فيها أحد.

وكان متفننا في علوم شتى. «ومن أخباره» أنه دخل يوما على الحاكم بأمر الله الفاطمي، صاحب مصر في ذلك العصر، والحاكم على ما هو مشهور عنه كان ظالما غشوما مستبدا كثير الأضاليل والزندقة. فلما دخل مجلسه وضع مداسه في يده وقبل الأرض بين يديه، وجلس والمداس إلى جانبه، والحاكم بأمر الله ينظر إليه باستغراب. ولما أراد الانصراف من حضرة الخليفة قبل الأرض ولبس مداسه، فضحك عليه الحاكم ضحكا شديدا وأسماه «المنجم الخليع»؛ فالتصق عليه هذا الاسم وعرف به.

عاش طول عمره وهو يكافح الأهوال ويعاني المصاعب، مع سوء حاله وضيق ذات يده، وما زال في اجتهاد مستمر حتى انتهى من زيجه المعروف، والناس غير مصدقين ما هو عليه من قوة العلم. وقد كذبوا من تعرض بذكره، فعاش موصوما بالجنون واختبال العقل. على أنه كثيرا ما تنبأ بحصول حوادث بمصر، وأخبر عنها قبل حصولها، وصدق فيها فعلا؛ فكان من الناس من صدق، ومنهم من كذب.

ومكث فقيرا معدما لا يمتلك شيئا ، ولما حانت وفاته أوصى بعض من يثق بهم بإظهار زيجه المعروف. ولما انتهت حياته ظهر فضله وعرف الناس قوة إدراكه، وحينئذ شهد له العلماء، واعترفوا بنبوغه وتفوقه.

وكانت وفاته «سنة 391 هجرية».

صفحة غير معروفة