بسمارك إلى معارضة حرب مؤدية إلى الوحدة الألمانية تحت سلطان بروسية وضد النمسة، وتمر أيام قليلة من ذلك الحين فيجنح للسلم بضغط من روسية، وذلك كما كتب بسمارك في شيبته: «لأن إمبراطور النمسة الشاب كان يروق الروس أكثر من ملك بروسية.» ويذهب الوزير الجديد - مانتوفل - إلى أولموتز وينبئ شوارزنبرغ بعدول بروسية عن الزعامة، ولا بد من تأليف البندشتاغ الذي نبذته بروسية منذ عامين فتكون الزعامة للنمسة في فرانكفورت.
وتثور بروسية - أو الشعب البروسي - ويطلب عزل مانتوفل وشهر الحرب، وما كان الشعور بالشرف القومي ليثير إنسانا مثل إثارته بسمارك المخلص لبروسية والمناهض للنمسة على الدوام، والآن بعد ذلك الانتكاس من ذا الذي يجب عليه أن يمقت خصمه ويود محوه؟ حقا إن بسمارك حقود، وبسمارك وإن أمكنه أن يشايع مغلوبا لا يستطيع أن يشايع غالبا.
ولم ينشب بسمارك أن عرف من التفصيل ما يجرح عزته؛ فقد علم أن الأمير النمسوي يقيم بالطبقة الأولى من الفندق في أولموتز ومعه حاشية عظيمة، على حين يقيم الوزير البروسي ومعه خادمان بالطبقة الأرضية من ذلك الفندق ممثلا دور مكتر
7
حقير، ويشعر بسمارك لا ريب بأن شوارزنبرغ اعترف لأصدقائه بأن النمسة تهدف إلى إهانة بروسية ثم إلى هدمها.
ولكن ماذا حدث؟ نهض بسمارك الصوال المنافح ليلقي خطبة طويلة في اللندتاغ يدافع فيها عن الحكومة وعن أمر أولموتز، فكانت هذه آخر خطبة نطق بها في إبان نيابته وأكبرها خطرا، قال بسمارك:
ولم تشهر الدول الكبرى الحرب في هذه الأيام؟ إن الأثرة - لا التأثر - هي السبب الصحيح الذي يحفز إحدى الدول الكبرى إلى الحرب، مع أن تلك الدولة تمتاز من أية دولة صغيرة كانت، يسهل على رجل الدولة أن ينفخ في صور
8
الحرب على حين يتدفأ أمام الموقد أو ينطق من فوق هذا المنبر بخطب فخمة رنانة تاركا للجندي الذي يسفك دمه بين الثلج أن يكسب النصر والمجد. والويل لرجل الدولة الذي ليس لديه من أسباب شهر الحرب ما يكون ذا قيمة بعد أن تضع الحرب أوزارها. والحرب إذا ما انتهت كان لكم بعدها وجهات نظر مختلفة حول مسائلها، وهل يكون عندكم بعد ختام الحرب من الشجاعة ما تدنون به من الفلاح الذي ينعم النظر في حقله المحروق، أو من الرجل ذي العضو المقطوع أو من الوالد ذي الولد المفقود، فتقولوا له: أجل، إنك لاقيت من الآلام ما لاقيت، ولكن كن قرير العين معنا، فقد أنقذ دستور الاتحاد!
ويلتفت بسمارك إلى الشمال بعد تلك الجمل الساخرة اللاذعة، فيقول إن القوم يبحثون عن شرف بروسية، ومما يقضي بالعجب أن يولع فريق الأحرار بذلك على الخصوص، «فأنتم لا توفقون لتحويل هذا الجيش، الذي مثل في 19 من مارس دور المغلوب إلى جيش للبرلمان. فهذا الجيش سيظل جيشا للملك وسيجد شرفه في الطاعة، وليس الجيش البروسي محتاجا إلى إثبات بسالته والحمد لله، وإنما أنشد الشرف البروسي قبل كل شيء في عدم اتفاق بروسية مع الديمقراطية اتفاقا شائنا.» ثم يتكلم بسمارك عن النمسة فيقول: «إنها دولة ألمانية لها شرف السيطرة على شعوب من أصل أجنبي قهرتها جيوش ألمانية. وإني أعد النمسة ممثلة ووارثة لدولة ألمانية قديمة امتشقت السيف الألماني مع المجد والفخار.»
صفحة غير معروفة