وبفعل الافتراض الذين يريدون به نشر السعادة في العالم على شاكلتهم ككارل مور؟ وهل يمكن إعدام رجل أن يؤدي وحده إلى توزيع العدل والإنصاف في هذه الدنيا في مقابل المدن التي حرقت والولايات التي خربت والنفوس التي قتلت فتبتهل دماؤها إلى الرب أن يعيد إلى إمبراطور النمسة سيف السلطان؟ إن عاطفة كالتي تبدينها نحو المجرمين هي مسئولة عن أكثر الدماء المسفوكة في السنين الستين الأخيرة، أنت تخشين أن تحمل الحكومة النمسوية ذوي الديمقراطية على الطريق، ولكن كيف تستوي السلطة الشرعية وحزب الخائنين؟ يجب على السلطة الشرعية أن تحمي بالسيف الذي أودعها الله إياه من المفسدين، ويظل العصاة من القتلة ومن الكاذبين ولو قبضوا على ذلك السيف بالقوة، فهم وإن كانوا قادرين على القتل يعجزون عن الحكم بالعدل. ومن أحاديث لوثر الصريحة: «لا ينبغي للسلطات الزمنية أن تعفو عن المذنبين، بل يجب عليها أن تجازيهم ...» اغفري لي إسهابي القول في تلك الأمور، فأنا متأثر شخصيا مما قلت، فإذا ما قيض لي ذات يوم أن أمارس السلطة العليا لم أرد أن تنظر حنة إلي بمثل العين التي تنظرين بها إلى هاينو. وداعا!
ابنك المخلص: فون بسمارك
ويلوح أن لذلك الكتاب قيمة مذكرة وزارية عند بسمارك، والآن حين أخذ بسمارك يرى ماذا يكون مستقبله أو كيف يوجه جهوده، أصبح لزاما عليه أن يجد في نفسه مناعة ضد العاطفة منذ البداءة، والحق أنه رقيق القلب وأن المؤثرات النصرانية قد جردته من بعض عدته، وأن الزوجة التي يحبها خطر عليه من هذه الناحية ولو كانت تحبه؛ وذلك لأنها بنت أمها أيضا، ولأنها تقضي أشهرا من شهور السنة مع والدتها بين أشراف الولاية العاطفيين الذين يكرهون الطغاة كما يكرهون الأحرار، وتنطوي تلك السطور على إنذار، ويبحث بسمارك عن السلامة في بيته ضد أعدائه قبل أن يجاهد خارج داره، وهو يحصن معسكره قبل أن يقيم به.
الفصل الثالث عشر
يصبح بسمارك برلمانيا، وينقطع إلى هذه المهنة فيما بين الثالثة والثلاثين والسادسة والثلاثين من سنيه، وعلى من يحار من رقصه على إيقاعها أن يتمثل الغيرة التي يحاول بها أن يتدارك السنوات العشر التي أضاعها، وتبدأ الزوج والأملاك باحتلال المكان الثاني منه بالتدريج وعلى وجه غير محسوس، وتستحوذ الحميا عليه فيسير وراء طموحه الغريزي فيدفعه ذلك إلى المفاخرة، والآن يتمتع بصحة تامة، فيأكل بنهم ويشرب بوفرة، «فعلي أن أضع حدا لذلك، فلقد أفرطت في العشاء، فلا أستطيع أن أظل جالسا.» «ولما حان وقت النوم طعمنا
1 - ثلاث مرات وبلا خبز - أمعاء محشوة باللحم، مستعينين بسكين الصيد، ولم يكن الطرف الرقيق طيبا كالطرف الثخين، ولكن الانطباع العام كان وافيا إلى الغاية.» «وفي هذا النهار بلغت من أكل التين ما اضطررت معه إلى شرب مقدار من عرق السكر.» «ثم تناولت عشائي وأنا أذرع الغرفة فالتهمت معيا كبيرا لذيذا محشوا باللحم، وشربت قعبا
2
من جعة
3
إرفورت، والآن حين أكتب إليك آكل علبة ثانية من المعجونات. فالحق أنني حسن الصحة، ولكن معدتي مملوءة بالمعي المحشو باللحم.»
صفحة غير معروفة