310

بسمارك: حياة مكافح

تصانيف

ويجعل المستشار من ذلك مسألة وزارة، ومع ذلك - وفي تلك الساعة - يبدو المريض الذي لا يعترض على الزواج قانعا بأن يعلم إمكان حدوث تغيير بخطابات تصدر عن بيئة بسمارك، وينطفئ مع قوى المريض ما فيه من طموح وكفاح، ولا تنشد روحه غير الراحة، بيد أن قلب بسمارك ما انفك يدق على وزن النضال، وبسمارك منذ عام كان قد قال عن فردريك وفيكتورية: «إنهما يحوكان خيانة، فهما خاليان من كل شعور ألماني، وهما قد خسرا ما لهما من مكان في نفوس الشعب، وهما يلقيان بذور الشقاق بين أبناء الأسرة.» واليوم يقول بسمارك: «كان مولاي الشائب السابق يعرف أنه خاضع لزوجه، فيقول: أعني، فأنت تعلم أنني لست اللابس للسروال، غير أن هذا الرجل هو من الغرور ما لا يرضى معه بمثل ذلك، مع أنه من بعض الوجوه عبد شديد الخضوع كالكلب، ولا تكاد تعتقد مقدار ذلك.»

ويشتد بغض بسمارك للناس مع السنين، وتتبلر هذه البغضاء، فيبدأ بسمارك بفقد كياسته النفسية وترتبك دقته الروحية ويزيد فتوره وسوء ظنه، ويظهر الأسد الشيخ رابضا أمام عرينه، ويخرج الشرر من عينيه اللامعتين، ويبدو مستعدا لهرس كل من يدنو منه ببراثنه، ويحرس الكنز الداخلي؛ أي الريخ، على الدوام، ويسأل صديق شباب بسمارك «كيزرلنغ» في إحدى زياراته النادرة له: «وماذا يدور في أعماق قلبه؟ لا الشعور الزاهي بأنه أتم أمورا، ولا ارتياحه لأنه أنجز أعمالا عظيمة ولا تمتعه بالراحة والسلام بعد جهاد ...»

أفلا يشعر الزملاء والنواب بهذه البغضاء المتراكمة الهائلة للناس؟ أفلا تعرف الأمة ما يكنه زعيمها لها من ازدراء فاتر؟ ويقول هوهنلوهه ملاحظا: «يوحي إلي بأنه غير سليم العقل.» وفي الريشتاغ - حيث كانت منذ سنة 1887 أكثرية كثيفة مؤلفة من المحافظين والأحرار الوطنيين يقدر بها بسمارك على سن قوانينه حول العمل ونظام الحماية، كانت الكراهية الشخصية لهذا الشيخ تزيد مقدارا فمقدارا، وبسمارك قال ذات مرة عند عودته من المجلس إلى منزله: «إنني أشعر بوجع في شعري كالذي لببه

2

الأوباش وأخذوا برأسه في حانة شائنة.» ويعلق «أبناء العم» من الأشراف آمالهم على الشاب الذي سيصبح إمبراطورا عما قليل، وكان هولشتاين قد تفاهم هو وفيندهورست في زاوية من بهو استقبال حول ما يعملان في مستقبل خطر.

وبسمارك بعد الآن يرجع البصر إلى الدور الزائر فيصفه ب «الأيام القديمة الملاح» والآن يمدح بسمارك مولاه الراحل كما كان ينتقده في حياته، ومن قوله: «حقا كان الإمبراطور الشائب رفيقا صادقا، وكان يمكن الاعتماد على إخلاصه ... وهو وإن كان يخطئ في سيره في بدء الأمر لم يعتم أن يعود إلى الصراط السوي .»

والمستشار إذا ما أنعم النظر في فيكتورية مجد حتى أوغوستا قائلا عنها: «أجل، إنها كانت تضع العراقيل في سبيلي، ولكنها لم تنفك تكون امرأة ممتازة، ولكنها كانت ذات شعور حي بالواجب، ولكنها كانت تتصف من هذه الناحية بما يعوز الإمبراطورة الحاضرة، وهي كانت تود أن تضحي بشيء في سبيل أصدقائها التقدميين لعطل بعلها من العزم، وفي مثل تلك الأحوال حين يكون كل أمر ملتويا؛ لا نستطيع أن نسلي أنفسنا بقولنا إن الأمر يسير على ما يرام، وسأتمسك بمنصبي ولو سرحت فلن أبرحه! ولن يولد عاهل، غير أن لي رجاء في مولانا الشاب، فلعل فتاءه الشديد كان مفيدا له.»

ولم يشعر الأمير ولهلم بأنه عومل بالحسنى في أسرته، وقد أبصر بسمارك ذلك في السنوات الأخيرة. وفي سنة 1886 كتب فردريك إلى المستشار بسمارك يقول له عن الأمير ولهلم متوجعا: «يقرب من الطيش ما اتصف به من شدة التسرع، ويعوزه النضج، ويميل إلى الزهو والصلف.» وأمور مثل هذه مما يجعل الأمير الذي انتقد على هذا الوجه موضعا لعطف المستشار المرسل إليه فيحاول هذا المستشار أن يشفي الأمير من «احتباسه البوتسدامي»، وفردريك كان قد مرض قبل ذلك أيضا فصار يساور بسمارك شعور بقصر عهد هذا العاهل الجديد، وما كان من كره بسمارك وولهلم لوالدي هذا الأمير فقرب بينهما في بدء الأمر.

ومهما يكن الأمر فقد أسفر عناد ولهلم عن تحاكهما من السنة القادمة، ويقنع ستوكر وفالدرسي ولهلم بأن أقوم طريق لمكافحة الاشتراكية هو سلوك سبيل الكياسة والإحسان، ويقترح ولهلم إقامة مهرجانات فروسية جمعا للأموال من أجل فقراء برلين، ويغضب بسمارك، ولا يغضب هذا المستشار ما أبدي من نشاط كبير من هذا الطراز، وإنما الذي أثاره هو ما أبداه العاهل المقبل من ولع بأن يحل وديا تلك المسألة الاجتماعية التي ما انفك ذلك المناضل القديم يناهضها بقوة القانون والسيف، ويقول الأمير ولهلم جوابا عن اعتراض المستشار: «أفضل أن أقطع إربا إربا على نصب المصاعب لك.» ويرد احتجاج بسمارك بهذه التأمينات الطائشة.

ومما زاد بسمارك زعجا ما كان بعد زمن قريب؛ أي في الشهر الأخير من حياة الإمبراطور، من إرسال الأمير ولهلم إليه مسودة اقتراح يصير تبليغه إلى جميع أمراء الريخ على أن يحفظ من الآن في مستشاريات الاتحاد في غلف مختومة «لما يتوقع من وفاة الإمبراطورة ووفاة والده عاجلا»، وفي ذلك الاقتراح «ينبئ أعمامه الشيوخ بأنه لا ينبغي لهم أن يرموا عصا بين ساقي ابن أخيهم الشاب العزيز».

صفحة غير معروفة