بسمارك: حياة مكافح

إميل لودفيغ ت. 1377 هجري
205

بسمارك: حياة مكافح

تصانيف

وأراد بسمارك أن يباغت الملك فضلا عن ذلك، وبسمارك كان يفكر في الملك حينما أتى بذلك البت السريع الذي هو نتيجة سلسلة من الأفكار القديمة ساورت ذهنه في سنوات كثيرة كما هو أمره مدى عمره في أحوال مماثلة، ويود بسمارك الضرب والحديد حام؛ وذلك خشية قول زوجة الملك بالسلم غدا وخشية قول ابن الملك بها بعد غد، والواقع أن بسمارك بنشره تلك البرقية جعل الحرب أمرا لا مفر منه من غير أن يسأل مولاه عن رأيه، بيد أن الملك كان ذا منازع حربية في ذلك الحين، وآية ذلك ما كان من إرساله برقية ثانية من إمس بعد قصير وقت وبعد أن كانت البرقية الأولى مرسلة لتنشر على العالم، فقد جاء في هذه البرقية رفض ثالث لمقابلة بنيديتي كما يرى من العبارة الآتية، وهي: «إن ما قاله صاحب الجلالة في هذا الصباح هو كلمته الأخيرة في الموضوع، وصاحب الجلالة يذكركم بقوله السابق.» وهذه الكلمة جاءت مصدقة لما أذاعه بسمارك!

بسمارك في سنة 1883.

وتصرف بسمارك منطقي ما أبصر القائد العام يصرح له بأن الوقت ملائم، وما رأى أن تطور الأحوال في السنوات الأخيرة القليلة ينبئ بأن الحرب آتية لا ريب فيها، وما أريد بناء ألمانية الحقيقية. وبسمارك إذ كان عليما بأحوال النفس، وبسمارك إذ كان عارفا أن فوزه يتوقف على روح أوروبة إلى أبعد حد؛ وجد تلك الفرصة أحسن ما يبدو به معتدى عليه شكلا وجوهرا. وإذا ما ظهر لنا، نحن أبناء الجيل الأخير، أن توحيد شعب في المستقبل يستحق الكفاح كان جيراننا الفرنسيون في أسوأ مأزق خلقي؛ لعزمهم على شهر الحرب منعا للوحدة الألمانية من القيام.

ومهما يكن الأمر فإن بسمارك قبل كل شيء وبعد الظهر لم يخل من سبب ومن وضع يلهب بهما آخر بافاري موال لفرنسة وآخر ورتنبرغي معاد لبروسية؛ بغية الاشتراك في السخط العام الذي كان محتاجا إليه، وتمضي ثلاثة أيام فتشيع بين الأنام أسطورة تنزه الملك الشائب المحب للسلام في بلد المياه المعدنية وانتظار الفرنسي الشاطر له مترقبا في غيضة كالمغتال، ويرى بسمارك ذلك ببصيرته، وبسمارك يكتب في الساعة السادسة تلك البرقية التي سيقذفها في منتصف الليل في جميع عواصم أوروبة كما لو كانت قنبلة هائلة.

الفصل السابع عشر

ويمضي أسبوع فينطق بخطب العرش في برلين وباريس معا، إنباء للعالم بأن العدو حمل الأمة على امتشاق الحسام؛ فالله الذي كان نصيرا لحق أجدادنا سيكون نصيرا لحقنا، وهلم جرا، ويدعو كل من البرلمانين ناخبيه إلى السلاح، ويتصرف كل من البرلمانين في نقود ناخبيه، ويحرق كل من البرلمانين الأرم

1

على الآخر من غير عرفان بالعدو ومن غير حقد عليه، وفي شهر يوليو ذلك وفي كل من البلدين يتجمع ضد الحرب - ولأول مرة في التاريخ الحديث - بعض الناس على شكل جماعات، لا على شكل جماهير، ومن باريس يخرج نداء موجه إلى عمال جميع الأمم حاو للكلمة الآتية، وهي: «يرى العمال أن حربا تهدف إلى هيمنة دولة أو إلى تأييد أسرة لا تكون إلا حماقة جارمة»، ويردد غير بيان وغير منشور ذلك المعنى، ويتجاوب عبر الرين أصداء ما يلقى في مجلس سكسونية وبافارية الاشتراعية من الخطب، وفي بروسية وحدها لم يجرؤ أحد على الكلام بذلك الأسلوب، وكل ما استطاعه الخطيب الاشتراكي ببرلين هو خفضه الجناح دفاعا عن الفرنسيين ضد نابليون الثالث موصيا بشهر الحرب على هذا الإمبراطور، ثم أعلن مجلس العمال الدولي العام أن على العمال أن يشتركوا في حرب دفاعية ألمانية، وأن عليهم أن يقاوموا كل محاولة لتحويل هذه الحرب إلى حرب هجومية.

ويكون للشعور بأن فرنسة هي الفريق المعتدي بالغ الأثر في الجذريين

2

صفحة غير معروفة