ولم يلاحظ أحد من أولئك أن ذلك النصراني الذي تقمصت فيه الفروسية والموت والشيطان كان - وقتما يستلهم الرب - يفاوض قائدا مجريا في إمكان مقاتلة فرقة هنغارية لملك المجر، وأن ذلك النصراني بسمارك أقنع مولاه الملك ولهلم بأن يستصوب هذه المؤامرة مع ثائري سنة 1848.
وبينما كان الجيش البروسي يستولى على بوهيمية كان بسمارك يحرض التشيكيين على الخيانة العظمى، ويذيع بسمارك منشورا يخاطب فيه: «أهل مملكة بوهيمية المجيدة» فيوكد لهؤلاء الأهالي أنه عند النصر «يكون الوقت من الملاءمة ما يحقق فيه البوهيميون والمورافيون أمانيهم القومية كما اتفق للمجر».
وينحاز معظم أمراء الألمان إلى النمسة في ذلك الحين، وتنفصل بروسية عن الجامعة الألمانية، ويوجه إنذار إلى أولياء الأمر في هس وناسو وهانوفر وسكسونية أعطوا فيه مهلة أربع وعشرين ساعة للتفكير، ويدعو بسمارك في تلك الأيام صحافيا باريسيا إلى الغداء مع عدم معرفته إياه سابقا، ويحادثه مليا ويمازحه ويناقشه في مذكرات باريس، ويتخذ من الوضع المطمئن ما يسرع معه الضيف إلى وصف ذلك في برقية يرسلها إلى باريس في ذلك المساء، وفي ليلة الإنذار يتنزه بسمارك وسفير إنكلترة في حديقة وزارة الخارجية، ويتكلم بسمارك معه عن أتيلا فيلوح أنه اكتشفه في ذلك الوقت لألمانية، «والخلاصة أن أتيلا كان رجلا أعظم من مستر جون برايت في مجلس نوابكم!» ويحل منتصف الليل، وينظر بسمارك إلى ساعته فيقول: «الآن تدخل كتائبنا هانوفر وهس، ويدخل الكفاح دورا جديا، ويحتمل أن تهزم بروسية، فثقوا بأننا سنقاتل ببسالة، ولا أرجع إذا ما غلبنا فسأقتل في آخر هجوم، ولا يموت الإنسان سوى مرة واحدة، والموت خير من الغلب.»
ويمضي أسبوعان، ويقرر كل أمر في الشمال، وترد أخبار النصر، ويبدأ فريق من الشعب بتغيير رأيه، ولم يحدث غير قليل هياج عند محاولة قتل رئيس الوزارة، بل زينت جثة الجاني المثالي بالأكاليل سرا بما كان لا يتفق لجثة بسمارك لو قتل في أونتردن لندن، وبيعت صور هزلية مشتملة على ملامح ولهلم تل
1
وممثلة لهذا المنتقم البطل وهو يطلق النار على بسمارك فيمنعه الشيطان من ذلك باعتراضه بينهما قائلا: «هو منتسب إلي!» والآن بعد ستة أسابيع يتجمع الجمهور أمام القصر هاتفا لولهلم الذي كان في أيام مارس قد فر من هذا القصر إلى جزيرة في الهافل،
2
ويقف الملك بجانب رون وبسمارك شاكرا لرعاياه، ويعود بسمارك إلى منزله راكبا عربته فيحل الجمهور الخيل منها ليجرها بنفسه، ويجتمع ألوف الناس أمام بيته فيهتف بعضهم قائلا: «عاش القائد المقدام في ميدان الدبلمية!» ويقف بسمارك مع زوجه بالقرب من النافذة فلا يسعه إلا أن يقول: «لقد ظهر الآن أن الملك كان على حق!» ويقصف الرعد فلا تسمع كلمة بسمارك الأخيرة بفعل الهزيم،
3
فيقول: «السماء تحيينا»، ولطائف مثل هذه لم تنشب أن انتشرت من العاصمة إلى الخارج فجعلت رجل الشارع يدرك أمر بسمارك أكثر من قبل، ولآراء بسمارك من البرهان بها ما ليس لأي إعلان كان.
صفحة غير معروفة