ويأخذ بسمارك حذره وزيرا، فيزيد نفوذا.
سيمسون :
تلك السياسة هي قصيدة رجل ليس بشاعر، ويمكننا أن نشبه بسمارك بالبهلوان
3
الذي نعجب به لأنه لا يسقط عن الحبل أبدا، وما يناله البهلوان من الإعجاب فمما لا يلائم ذوق جميع الناس مع ذلك.
بسمارك :
لا أود أن أقحم نفسي في جدال حول مسائل اللياقة والذوق السليم.
وهكذا يعامل خصومه جزرا ومدا، ولكن الأمر إذا مس الجهاز الحكومي لم يستحوذ على بسمارك ذي الحذق المنوع سوى استعمال العنف، وما كان من إمكان ممارسة بسمارك حكما استبداديا فقد بدا له نتيجة للصدام مرغوبا فيها، فبسمارك لم يكن ليأمل - في الحقيقة - سوى تمثيله دور بيل أو دور أوكونيل الذي حلم به منذ خمس عشرة سنة، وما كان من اتصاف بسمارك بالاعتداد بالنفس والطموح إلى السلطان فمن شمائل المستبدين؛ ولذا لم يرتح للدستور في السنوات الكثيرة القادمة ارتياحه له في النضال الذي دام أربع سنين، وبسمارك لا يساوره هم تجاه حقوق الشعب، وبسمارك لا يشعر بالخطر كما لو كان يصطاد دببة أو غيرها، وبسمارك يهنئ نفسه لإمكان وقوع مثل تلك المغامرات «في بلد ممل كبروسية».
والآن يصب جام الانتقام على عدو المستشارين الخصوصيين، والآن يفرغ بسمارك للسلسلة الكبرى التي تدير أمور الدولة، فعلى من لم يتبع تعليماته اتباعا حرفيا أن يستعفي، ويبدأ بسمارك فور نصبه بعزله من القضاء والإدارة كل من كان - أو يشتبه أنه كان - من ذوي الأفكار الحرة، فيرد أكثر من ألف موظف هذا المورد في السنوات الأربع الأولى، ويناضل أعضاء حزب التقدم عن هؤلاء الضحايا فيغدون عرضة للاضطهاد مثلهم، ويحال الضباط الأحرار المحليون إلى التقاعد من قبل محاكم الشرف، ويحال إلى نصف المعاش عمد البلد ومستشارو البلديات وجباة النصيب وموظفو المصرف ومطعمو الجدري، ويجازى موظفو العدل، فينقلون وتخفض رواتبهم ويحرمون رواتب تقاعدهم.
ويأتي دور الصحافة في نهاية الأمر، فيسار على الطريقة الروسية فتصدر مراسيم صحافية أشد من التي وضعها نابليون الثالث، فلا يقف جريدة لأجل قصير بسبب مقالة تنشرها بل يقفها نهائيا بسبب مسلكها العام، وذلك كله تحت ستار الأخلاق، وذلك كله استنادا إلى نصوص من الدستور، «فلا بد للهياج غير الطبيعي الذي ساور النفوس في هذه السنوات الأخيرة نتيجة لهرج الأحزاب ومرجها من أن يفسح في المجال إلى حال نفسية أكثر هدوءا وإنصافا»، ويستشهد بسمارك بالله وبالأخلاق ليقنع الملك بما تنطوي عليه تلك التدابير من عدل أساسي، ويرى بسمارك أن يتذرع بمثل هذه العلل لإقناع حنة أيضا؛ وذلك لما بقيت عليه أمها من القوى العقلية. وبسمارك لم ينس بعد ما كانت قد كتبته هذه العجوز إلى ابنتها عن ثوار المجر وما كان من جوابه حول هؤلاء، وبسمارك ليس محتاجا إلى هذه المعاذير ليسكن وجدانه؛ فهو يزدري الجمهور، وما يشعر به من قوة في نفسه فيكفي لقهر هذا الجمهور.
صفحة غير معروفة