إعلم هداك الله أن أعظم الإيمان قدرا ، ومنزلة عند الله وأجرا ، وأجمعه للخيرات وأعمه نفعا وأرضاه لله جل ذكره ، هو أن يؤمن الإنسان نفسه من سخط الله ووعيده ، ويوجب له رضوانه وما وعد من النعيم في الجنة وتخليده ، بإتباعه وفعله جميع ما فرض الله عليه واجتنابه كل مازجره ونهاه عنه ، وقد يدخل في هذا الإيمان إيمان الإقرار والتصديق المحمود ، باللسان والقلب وغيره من أعمال جميع الجوارح المرضية لله ، تقول العرب: آمن فلان نفسه ، وآمن غيره أن يظلمه ، فهو يؤمن نفسه ويؤمن غيره أمنا وأمانا وإيمانا ، وبهذا الإيمان سمى الله سبحانه نفسه فقال: ?المؤمن المهيمن? فعنى بالمؤمن المؤمن عباده أن يظلمهم ، والمهيمن الشهيد عليهم بأعمالهم ولهم ، قال جل ذكره في تبيان أن المهيمن : الشهيد:?وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه? أي : وشهيدا عليه ، فهذا هو الإيمان الحق الذي وصفه العليم الحكيم ومدح أهله فقال:?يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين? معنى ذلك وإلا فلستم مؤمنين لأنفسكم من عذاب الله ، ثم فسر من المؤمنين لأنفسهم من عذابه ؟ فقال: ?إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون أولئك هم المؤمنون حقا لهم درجات عند ربهم ومغفرة ورزق كريم? فدل جل ذكره على أن في عباده مؤمنين بالإقرار ، إيمانهم باطل لا ينفعهم ، وهم الذين قرنوا به معصيته فأحبطوه ، ولم يبق جل ذكره شيئا مما يؤمن به العبد نفسه من سخطه وعذابه ، مما أمره به وفرضه ونهى عنه وواعد عليه ، إلا وقد ذكره مجملا بقوله :?وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين? وذكر بعضه مفصلا
والإيمان الحق هو مع الإقرار : فعل ما يؤمن به الإنسان نفسه من سخط مولاه ووعيده ، ويدخل فيه الإيمان الذي هو الإقرار والتصديق بالقلب واللسان وجميع الطاعات لله والحمد لله.
صفحة ٨