ألا وإن مقامكم على هذا سيطول حتى ينفد ما عندهم من ذخر؛ فلا يمسس أحد منكم طعاما أتى به من هنالك، والتمسوا الرزق مما يليكم من هذه القرى الرومية، ودونكم الأرض فاحرثوا وابذروا وثمروا، وقد جلبت لكم قطعانا من الجاموس والإبل والضأن؛ للحرث واللبن واللحم ودفء الشتاء، ولا تطل إقامتكم في هذه الخيام حتى يفجأكم البرد ويسد الثلج عليكم أبوابها، فدونكم هذه الغابات فاقتطعوا من أشجارها، واتخذوها بيوتا من خشب تجعلون فيها متاعكم وتأوون إليها، واحتفروا العيون واستنبطوا الآبار تروون منها وتسقون الزرع والضرع ...
أيها العرب، إن أظفر الطائفتين في هذه المعركة أصبرهما؛ فلا عليكم من طول المقام ما ضمنتم الظفر في العاقبة.
أيها المهاجرون إلى الله، لقد خلفتم طائعين دياركم وأهليكم وأزواجكم وأولادكم إلى مدينة أبي أيوب، فتربصوا في دار هجرتكم هذه بعدوكم وعدو الله حتى يأذن الله لكم أن تلقوه بيوم كيوم بدر.
وتفرق جند العرب في الأرض الفيحاء على استدارة القوس من أسوار القسطنطينية، قد اتخذوا بيوتا، وفلحوا أرضا، واستنبطوا آبارا، واستنبتوا مراعي، وأنشئوا حظائر، واستوطنوا استيطان من لا يفكر في الرحيل!
وكانت غاراتهم ما تزال تبغت القرى الرومية على الشاطئين فيصيبون مغانم، ويعودون إلى بيوتها ظافرين قد أضافوا إلى ما ادخروا من الزاد والعتاد ذخرا جديدا، وزاد العدو جهدا على جهد.
ومضى عام وجيش مسلمة لم يزل يحاصر القسطنطينية، حتى جهدت جهدا شديدا، وأوشكت أسواقها أن تقفر من الطعام، وضاق أهلها بالحياة ...
وبلغت الحال في بلاد الروم من الفوضى والاختلال مبلغا حمل القيصر أنسطاثيوس على اعتزال الملك لينقطع للدعاء والعبادة راهبا في دير، وخلا عرش القسطنطينية من قيصر، فراح الأمراء والبطارقة وقادة الجند يتواثبون كالضفدع حول العرش، يأمل كل منهم بلا كفاية أن يكون قيصرا ...
وكان إليون المرعشي «الإيزوري» رأس الفتنة؛ وهو رجل من غثاء الناس
3
ليس له جذر يمت به، كان أبوه إسكافا يصنع النعال؛ فنشأ كما ينشأ ابن كل إسكاف، ثم اتجر في الماشية فأثرى وجمع مالا، ثم اصطنع كما يصطنع الأثرياء بطانة وحاشية، ثم رأى اختلال الأمر في الدولة، فحبب إليه أن يكون قيصرا، فاتخذ كل وسيلة إلى ما يحب ...
صفحة غير معروفة