2
وساءها أن يعيرها بأخيها وضعف همته وإيثاره الدعة، ولكنها لم تغضب، فقد سرها أن يكون عتيبة بحيث أراد أن يصف نفسه، فقالت: النذر والثأر جميعا يا عتيبة، فذلك ميراث أبيك. - لو لم يكن ميراث أبي لكان أمرا من نوار واجب الطاعة، وما يكون لي أن أنكص أو أروي في أمري
3
يا ابنة العم، لو أنك أمرتيني أن أثب إلى النار الموقدة لأقبس لك منها جذوة ملتهبة، أو أخوض في بحر من الدم لأخرج لك لؤلؤة حمراء، أو أتطوح في مهاوي الريح لأرد إليك صدى أغنية عذبة ملأت نفسك، فلا تريدين أن يفلت صداها في الزمن! - أكذلك أنت يا عتيبة؟ - بل اسأليني يا نوار: أكذلك أنا في نفسك يا عتيبة؟ - وتكتم عني؟ - بل أنت تعرفين، وتصرين - مع ذلك - على الكتمان. - ألم تكن تعلم ...؟ - كنت أعلم علم نفسي يا أخية، وأهابك أن أسألك عن علم نفسك. - فقد علمت اليوم. - وقد علمت أنت يا نوار. - ليتني لم أعلم. - هل ساءك إذن أن تعرفي أنني أحبك؟! - بل ساءني أن أعلم ذلك حين أنت على أهبة الرحيل عنا يا عتيبة. - ولكنك أنت التي تريد أن أرحل؛ لأدرك ثأرا وأوفي نذرا و... - وماذا يا عتيبة؟ - وأجمع مهرا يا نوار! - ولكن بقاءك أحب إلي. - وأحب إلي يا نوار، ولكن الدم المطلول يطلب واتره.
4 - قد أخذ أبوك بوتره، وقتل بأخيه رجالا، وأطاح برأس رءوسا. - ولكنه لم يحمل إليك رأس بطريق وتاجه. - ولكني أخاف عليك يا عتيبة. - فلست إذن أهلا لحبك يا نوار. •••
ثم انقلب عتيبة إلى حيث كانت أمه سبيكة: أمي. - ولدي عتيبة! - إنني ذاهب. - إلى أين يا عتيبة؟ - إلى حيث ذهب عمي وأبي. - ولمن تدع أمك يا عتيبة؟ - تعالي معي - إن شئت - فلن تقعد بي أمومتك عن الجهاد! - ولكن الأمهات لا يصحبن أبناءهن إلى الحرب! - فما هؤلاء النساء وراء كل جيش محارب؟
5 - زوجات لأزواجهن، وأخوات لإخوتهن، يدفعنهم بحرارة الحب إلى الاستبسال في النضال ليكسبوا الحظوة عندهن، وما أنا وذاك يا عتيبة، وقد جاوزت تلك المنزلة؛ فليس إلي مشتاق ولا وامق؟ - تعوقينني إذن؟ - ولمه؟ - لأنك ... لست أدري! - بل تدري شيئا تحاول كتمانه؟ - فلم تعوقينني إذن؟ - لأنني أمك. - وكل هؤلاء المجاهدين لا أمهات لهم؟ - ولأنني في هذا الحي من العرب لا عم لي ولا خال. - أراك لا تحاولين الكتمان. - ماذا تعني يا عتيبة؟ - أنت تكرهين أن أشرع في وجه الروم سيفا! - ولمه؟ - لأن لك في الروم عما وخالا. - إنني أمك يا عتيبة. - قد علمت. - وذلك كل نسبي. - وترضين أن تنتسبي إلى جبان لا يخف لثأر عمه، ونذر أبيه؟ - ومهر امرأته! ... - قد عرفت إذن؟ - ومن أجل هذا منعتك يا عتيبة. - من أجل أنك لا تحبين نوار! - بل إنني أحبها، وأرى ولدي بها أسعد زوج. - ومن أجل ذلك تحولين بيني وبينها! - بل أحول بينك وبين اقتحام المخاطر من أجل امرأة، ليست هذه هي البطولة. - فما البطولة إذن فيما ترين؟ - ألا تطيع فيما تكره امرأة تحبها، وأعلى من ذلك مرتبة في البطولة أن تقسرها على طاعتك. - ولكنني لم أطعها! - ففيم خروجك إلى الحرب إذن؟ - وفاء بنذر، وإدراكا لثأر ... - وطاعة أمر ... - بل عصيانا ... - لأمري؟ - لأمر نوار. - كيف؟ - لقد منعتني من أن أخرج فعصيت. - وي! - وقسرتها على طاعتي. - لقد كان لك - إذن - معها شأن يا عتيبة! - نعم، وسأعصيك كما عصيتها. - تعصيني؟ - نعم، وأقسرك على طاعتي. - وتقسرني أيضا؟ - نعم؛ لأنني أحبك يا أم. - إنك لبطل يا عتيبة. - لأنك أنت ولدتيني يا أماه. - بل؛ لأن أباك النعمان.
وشرقت سبيكة بدمعها، فأخفت رأسها في صدر عتيبة وأجهشت باكية.
الفصل الثالث عشر
نفير الحرب
صفحة غير معروفة