ومضيا عائدين من الدير قد أطبقا شفاههما، لا يتحدث أحدهما إلى صاحبه بعد ذلك الحديث، ولكن لكل منهما مع نفسه حديثا ضافي الذيول.
الفصل الثامن
بارقة أمل
لم تكن أم النعمان تعرف أن ولدها اتخذ زوجا، إلا يوم عاد إليها بعد غيبة دامت سنين يصحبه ذلك الطفل وأمه؛ أما الطفل فقد عرفته، إن فيه مخايل من أبيه - وإن لم يزل رضيعا في لفائفه - وإن اسمه عتبة، أو عتيبة، وما أحبه اسما إلى قلبها! إنه ليذكرها بعمه عتبة بن عبيد الله الذي ذهب منذ سنين ولم يعد بعد، فلا تدري أفي الأحياء هو أم في الموتى، فليكن هذا الصبي خلفا من عمه الذي طواه الغيب في ظلماته، وذكرى دائمة لأبيه الذي قطعه الغزو عن لداته ورماه في البحر والفلوات لا يكاد يستقر في بلد أو يهدأ على ظهر سابحة.
ولكن من تكون أم هذا الغلام؟ من أي بلاد العرب؟ وإلى أي بطونهم تنتمي؟ إنها لنحيلة ممشوقة، في عينيها زرقة، وفي خديها شحوب، ولحديثها نبر عذب، وفي يدها إشارة لطيفة، ولها حظ من علم وأدب وظرف لم يحصل مثله كثير من بنات العرب، كل ما تعرف أم النعمان عن كنتها
1
هذه الجديدة أن اسمها «سبيكة»، وأنها أم ذلك الصبي العزيز: عتيبة بن النعمان ...
أعربية هي أم مولدة؟ أم فتاة جلبها ولدها من السباء
2
أو من سوق الرقيق في بعض بلاد الشام؟ أزوجة هي أم أم ولد؟ ليس يدري أحد، ولكنهم جميعا يعطفون عليها، ويأنسون إلى حديثها، ويسارعون إلى مرضاتها، لا يسألونها عما لا يعرفون من خبرها، حفظا لغيب صاحبها،
صفحة غير معروفة