الطيران والحروب
وقد شهد فرنكلين تجارب الطيران الأولى حول باريس، وسمع المتفرجين وهم يرقبون المنطاد كأنه لعبة من لعب الفراغ ويتساءلون: وما فائدة هذا؟ وبأي شيء تنفعنا هذه النفاخات الكبيرة؟ فكان من جوابه لهم أن يسألهم: وما فائدة طفل وليد؟ وفي هذا السؤال كل الجواب على الذين لا يعرفون الصبر على المخترعات حتى تنمو وتؤتي ثمرتها، ولكنهم يعرفون أننا نربي الطفل الوليد الذي لا نفع له فينفع نفسه وينفع غيره إذا أحسنا القيام على تربيته، ومما كتبه فرنكلين على أثر مشاهداته الأولى لتجارب الطيران خطاب إلى صديقه العالم الهولندي جان أنجنهوز
Ingenhousz
الذي كان يصاحبه في رحلاته العلمية بشمال إنجلترا نظر فيه نظرة بعيدة إلى مستقبل الطيران في الحروب قبل أن تستخدم المناطيد والطائرات في ميادين القتال بأكثر من مائة وثلاثين سنة فقال في خطابه من باسي بتاريخ السادس عشر من يناير سنة 1784:
ليس في المسألة سر، ولست أشك أنك إذا أرسلت رسولا من قبلك أمكنه أن يشاهد مناطيد منتجلفير وشارل المختلفة، ويطلع على جميع التعليمات المطلوبة، وإذا أردت أنت أن تصنع منطادا فمن الضروري ومن الأوفق في رأيى أن تبعث من عندك برسول ذكي لهذا الغرض، إذ يخشى ألا يلتفت إلى بعض الملاحظات أو يسهو عن العلم بها، فتحبط التجربة ويؤدي حبوطها في هذه المسألة التي يكثر حولها الترقب والاستطلاع إلى تعريضك للملامة الشديدة والمساس بسمعتك. فإنه لمن الضرر الوخيم تجميع الناس في المدن الكبيرة وضواحيها ثم مصادمتهم بالخيبة والغضب. وقد حدث في بوردو أخيرا أن شخصا زعم أنه صنع منطادا يصعده في الهواء وأخذ نقودا من أناس كثيرين ولم يستطع أن يرفع المنطاد، فهاجت عليه هائجة الناس وعمدوا إلى بيته فهدموه وهموا به ليقتلوه.
وظاهر - كما رأيت - أنه اختراع هام يوشك أن يتجه بالشئون الإنسانية وجهة جديدة، وقد يكون من آثاره أن يقنع ذوي السلطان بخطر الإقدام على الحروب لما في حماية بلادهم من المصاعب - بعد هذا الاختراع - على أقدرهم وأقواهم، ولعل خمسة آلاف منطاد يحمل كل منها جنديين لا تبلغ تكاليفها ثمن سفن خمس من سفن القتال، وأين هو الأمير الذي يتسنى له أن يملأ أرضه بالجند في كل مكان حتى يعجز عشرة آلاف جندي هابطين من السحاب عن إصابته بأخطر النكبات قبل أن يتمكن من حشد القوة اللازمة لصدهم والتغلب عليهم؟
ومما يحزن أن تحول العصبية القومية - كما بدا لك - دون قيام الإنجليز بالتجربة، فإنهم على براعتهم في فنون الصناعة قمناء أن يسبقوا غيرهم إلى إتقان هذا المخترع والانتفاع بكل ما يعود به من الفائدة.
إن منطاد شارل وروبرت كان ممتلئا حقا بالهواء الساخن، ولوفرة المقدار اللازم كان العمل في ملئه متعبا عظيم النفقة يحتاج إلى يومين أو ثلاثة ليلا ونهارا لإنجازه. وللمنطاد صمام عند أعلاه يفك بشد الحبل الذي يربطه كلما أريد إطلاق جزء من الهواء استعدادا للنزول، والراكبان يقذفان بجزء من الرمل الذي يوازن الهواء إذا أرادا الصعود بعد ذلك، ولا بد أن يكون مقدار كبير من الهواء قد انطلق من المنطاد لموازنة أحد الراكبين ساعة نزوله، ولخفة المنطاد بعد نزوله، تكفي البقية فيه لحمل زميله، وهما لا يحملان في المنطاد نارا كما يفعل مسيو منتجلفير في منطاده الذي يفتح من أسفله ويوقد فيه التبن لاستبقاء ناره. وهذا الطراز من المناطيد أسرع امتلاء وأقل نفقة، ولكنه يستلزم مضاعفة الحجم لرفع الثقل نفسه؛ إذ كان الهواء المشعشع بالحرارة لا يقل ثقله عن نصف ثقل الهواء الجوي، على حين أن الهواء الساخن يقل عن ثقله عشر مرات، وقد كشف مسيو مورفو الكيمي الشهير بمدينة ديجون هواء ساخنا لا تزيد كلفته على جزء من خمسة وعشرين جزءا من كلفة الهواء الساخن الذي يحدث من صب الزيت أو الزاج على برادة الحديد، ويقال: إنه مستخرج من فحم البحر، ولم يذكر وزنه بالنسبة إلى غيره.
10
ثمن الصفارة
صفحة غير معروفة