وَالسَّبَبُ فِي اخْتِلَافِهِمْ: أَنَّ فِي ذَلِكَ حَدِيثَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ: أَحَدُهُمَا: حَدِيثُ عَائِشَةَ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ «أَنَّ النَّبِيَّ ﵊ أَمَرَهَا - وَكَانَتْ مُسْتَحَاضَةً - أَنْ تَدَعَ الصَّلَاةَ قَدْرَ أَيَّامِهَا الَّتِي كَانَتْ تَحِيضُ فِيهَا قَبْلَ أَنْ يُصِيبَهَا الَّذِي أَصَابَهَا، ثُمَّ تَغْتَسِلَ وَتُصَلِّي» وَفِي مَعْنَاهُ أَيْضًا حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ الْمُتَقَدِّمُ الَّذِي خَرَّجَهُ مَالِكٌ، وَالْحَدِيثُ الثَّانِي: مَا خَرَّجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ فَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ أَنَّهَا كَانَتِ اسْتُحِيضَتْ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إِنَّ دَمَ الْحَيْضَةِ أَسْوَدُ يُعْرَفُ، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ فَامْكُثِي عَنِ الصَّلَاةِ، وَإِذَا كَانَ الْآخَرُ فَتَوْضَّئِي وَصَلِّي فَإِنَّمَا هُوَ عِرْقٌ»، وَهَذَا الْحَدِيثُ صَحَّحَهُ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ حَزْمٍ.
فَمِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ ذَهَبَ مَذْهَبَ التَّرْجِيحِ، وَمِنْهُمْ مَنْ ذَهَبَ مَذْهَبَ الْجَمْعِ.
فَمَنْ ذَهَبَ مَذْهَبَ تَرْجِيحِ حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ وَمَا وَرَدَ فِي مَعْنَاهُ قَالَ بِاعْتِبَارِ الْأَيَّامِ، وَمَالِكٌ ﵁ اعْتَبَرَ عَدَدَ الْأَيَّامِ فَقَطْ فِي الْحَائِضِ الَّتِي تَشُكُّ فِي الِاسْتِحَاضَةِ، وَلَمْ يَعْتَبِرْهَا فِي الْمُسْتَحَاضَةِ الَّتِي تَشُكُّ فِي الْحَيْضِ (أَعْنِي: لَا عَدَدَهَا وَلَا مَوْضِعَهَا مِنَ الشَّهْرِ إِذَا كَانَ عِنْدَهَا ذَلِكَ مَعْلُومًا) وَالنَّصُّ إِنَّمَا جَاءَ فِي الْمُسْتَحَاضَةِ الَّتِي تَشُكُّ فِي الْحَيْضِ، فَاعْتَبَرَ الْحُكْمَ فِي الْفَرْعِ وَلَمْ يَعْتَبِرْهُ فِي الْأَصْلِ، وَهَذَا غَرِيبٌ فَتَأَمَّلْهُ.
وَمَنْ رَجَّحَ حَدِيثَ فَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ قَالَ بِاعْتِبَارِ اللَّوْنِ، وَمِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ رَاعَى مَعَ اعْتِبَارِ لَوْنِ الدَّمِ مُضِيَّ مَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ طُهْرًا مِنْ أَيَّامِ الِاسْتِحَاضَةِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ فِيمَا حَكَاهُ عَبْدُ الْوَهَّابِ.
وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُرَاعِ ذَلِكَ، وَمَنْ جَمَعَ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ قَالَ: الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ هُوَ فِي الَّتِي تَعْرِفُ عَدَدَ أَيَّامِهَا مِنَ الشَّهْرِ وَمَوْضِعَهَا.
وَالثَّانِي فِي الَّتِي لَا تَعْرِفُ عَدَدَهَا وَلَا مَوْضِعَهَا، وَتَعْرِفُ لَوْنَ الدَّمِ، وَمِنْهُمْ مَنْ رَأَى أَنَّهَا إِنْ لَمْ تَكُنْ مِنْ أَهْلِ التَّمْيِيزِ، وَلَا تَعْرِفُ مَوْضِعَ أَيَّامِهَا مِنَ الشَّهْرِ، وَتَعْرِفُ عَدَدَهَا أَوْ لَا تَعْرِفُ عَدَدَهَا أَنَّهَا تَتَحَرَّى عَلَى حَدِيثِ حَمْنَةَ بِنْتِ جَحْشٍ، صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَفِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ لَهَا: «إِنَّمَا هِيَ رَكْضَةٌ مِنَ الشَّيْطَانِ فَتَحَيَّضِي سِتَّةَ أَيَّامٍ أَوْ سَبْعَةَ أَيَّامٍ فِي عِلْمِ اللَّهِ، ثُمَّ اغْتَسِلِي» " وَسَيَأْتِي الْحَدِيثُ بِكَمَالِهِ عِنْدَ حُكْمِ الْمُسْتَحَاضَةِ فِي الطُّهْرِ.
فَهَذِهِ هِيَ مَشْهُورَاتُ الْمَسَائِلِ الَّتِي فِي هَذَا الْبَابِ، وَهِيَ بِالْجُمْلَةِ وَاقِعَةٌ فِي أَرْبَعَةِ مَوَاضِعَ: أَحَدُهَا: مَعْرِفَةُ انْتِقَالِ الطُّهْرِ إِلَى الْحَيْضِ، وَالثَّانِي: مَعْرِفَةُ انْتِقَالِ الْحَيْضِ إِلَى الطُّهْرِ، وَالثَّالِثُ: مَعْرِفَةُ انْتِقَالِ الْحَيْضِ إِلَى الِاسْتِحَاضَةِ، وَالرَّابِعُ: مَعْرِفَةُ انْتِقَالِ الِاسْتِحَاضَةِ إِلَى الْحَيْضِ، وَهُوَ
1 / 61