بداءة عصر البطالمة: محاضرة ألقيت في المؤتمر الثامن للمجمع المصري للثقافة العلمية
تصانيف
1 (1) وكان الملك الجديد، أخو الإسكندر من أبيه، أحمق ضعيف العقل، فانتقل السلطان كله إلى القواد المقدونيين، الذين خدموا تحت إمرة الإسكندر، وبخاصة في يدي «فردقاس» (2) الذي إن ظلت حقيقة الوظيفة التي شغلها خفية على الباحثين في العصور الحديثة، فإنها كانت موضع خلاف وجدل بين عظماء المقدونيين في أثناء المعارك المهوشة، التي تلت موت الغازي الأعظم، وتركه الميدان فجأة. ولا خفاء في أن «فردقاس»، وكان أقوى رجل في بابل، قد عقد النية على أن يعمل بدعوى الوصاية على القيصرية، ولكن حدث في تلك الآونة أن اتفق القواد في ندوة عقدوها على توزيع جديد للولايات؛ ليختص كل منهم بولاية منها.
وفي تلك الفترة التي ملأ جوها الشك، وسادتها الفوضى، اتجه نظر «بطلميوس» توا وبحزم نحو مصر، وهي الشيء الذي أراد أن يختص به، ولقد منحه «فردقاس»، وبالحرى مجلس القواد، الإمارة التي رغب فيها باسم الملك الأحمق، فسارع مرتدا إلى موضع أمين، بعيد عن ميدان المواقع التي ترقب نشوبها. ولا بد من أن تكون قد دارت مساومة بين «فردقاس» و«بطلميوس». وكانت مصر وتنصيب «أرغيدايوس» (3) (أحد الزعماء المقدونيين لا الملك) مشرفا على نظام الجنازة الملكية، الثمن الذي تقاضاه «بطلميوس» تلقاء اعترافه بدعوى «فردقاس».
2
وفي رواية أثبتها «ديودورس»
3 (4) أن من الأشياء التي تم اتفاق القواد عليها في بابل، أن يدفن جثمان الإسكندر في معبد أبيه الأقدس «أمون» بواحة «سيوة». وعهد إلى «أرغيدايوس» أحد القواد أن ينشئ عربة جنائزية فخمة، وأن ينظم مشهدا لتشييع الجثة لم يسبق له من مثيل عظمة ومهابة. ولقد تبادر إلى بطلميوس أنه مما يزيد الولاية التي أراد أن تكون من نصيبه كرامة ومجدا، أن تضم رفات البطل المقدوني العظيم، فتصبح بقاياه بمثابة نصب قدسي، لا حد لسلطانه على عقول الناس.
ولا شك أن مدينة «أيغا» (5)
Aegæ
مقر ملوك مقدونيا ومربى الأسرة الملكية، كانت أمثل مكان يتلقى رفات «الإسكندر»، ولا يبعد أن تكون الفكرة قد اتجهت إليها أول الأمر؛ لتكون لجثمان العاهل المقر الأخير، لا الواحة المنفردة المعزولة، هذا على الأقل ما استقر عليه رأي «فردقادس». ولكن «بطلميوس» عاجله، وكان «فردقاس» في آسيا الصغرى، فعمل «أرغيدايوس»، باتفاق سابق مع «بطلميوس»، وخرج من «بابل» بمشهد الجنازة الملكية، سالكا الطريق الذي يؤدي إلى مصر. أما إذا كانت الجثة سوف تنقل إلى سيوة، فلا بد من أن تعرج على «ممفيس» أولا، ما لم تنقل إلى «فرطونيوم» (6) بحرا.
ولا يبعد أن يكون «أرغيدايوس»، عندما غادر بابل، قد عدل عن الذهاب بالجثة إلى الواحة. غير أن «بطلميوس» استقبل مشهد الجنازة في سورية، ومعه حرس عظيم تام القوة والعدة، وتولى زمام الأمر. ولما وصل المشهد إلى «ممفيس» (7) بقي بها، ولم يتقدم خطوة نحو سيوة. ولا ندري أعقد «بطلميوس» (8) العزم منذ ذلك الحين على أن تكون الإسكندرية مقر الإسكندر الأخير؟ غير أن «فاوزنياس» (9) يقول: إن الجثة بقيت في «ممفيس» حتى نقلها ابن «بطلميوس» إلى «الإسكندرية»، بعد أربعين سنة من ذلك العهد.
4
صفحة غير معروفة