فهتفت في حرارة: لا ينبغي أن يمسك عقاب وإن هان، ثم بماذا تجيب إذا سئلت عما دفعك إلى قتلي؟! دعني أقم أنا بهذه المهمة فلا يكدرك مكدر، ولا يدري أحد.
فتسأل فيما يشبه الذهول: تقتلين نفسك؟!
فقالت وهي تلهث: نعم.
شعر فجأة - وقبل أن يتمالك نفسه - بأن حملا ثقيلا تزحزح عن عاتقه وهوى بعيدا. كان مدفوعا بغضب مستعر، وإحساس معذب بالواجب، ولكن العواقب - كذيوع الفضيحة والعقاب - ما فتئت تتخايل لعينيه، فالآن بعد هذا الحكم الذي قضت به على نفسها يسعه أن يسترد أنفاسه وأن يستبين بصيصا من النور في هذه الظلمة الخانقة، وغمغم متسائلا وهو لا يزال مستغرقا في أفكاره: كيف؟
فقالت وهي تزدرد ريقها: بأي وسيلة كانت.
فتفكر قليلا متجهم الوجه ثم قال وهو يرمقها بقسوة: النيل.
فقالت بهدوء: ليكن.
فنفخ حنقا وضيقا، ثم تراجع في تثاقل وهو يغمغم: «هلمي» فغادرت الجدار وتقدمت في خطو ثقيل، ثم دار حول نفسه وواصل السير فتبعته كما كانا! أحس هذه المرة شيئا من الطمأنينة، ولكن غضبه فقد عنصرا كان يعتز به وهو لا يدري، فقد شعورا بالكرامة كان يلازمه وهو مصمم على قتلها بنفسه، فاستحال من شخص يندفع وراء الكرامة، إلى آخر ينشد السلامة. وغص حينا بقهر خانق، ولكنه لم يكن من القوة بحيث يعدل به عما تراءى له من سبيل في النجاة، ولم يكن من الضعف بحيث يتركه في سلام، ونفس عن صدره قائلا في خشونة: كيف فعلت هذا؟! .. أنت؟! .. من كان يتصور هذا!
فتنهدت قائلة في استسلام اليأس: أمر ربنا.
فصاح مزمجرا: بل أمر الشيطان.
صفحة غير معروفة