يعرف من الألمانية كلمة واحدة. لكن وقع الكلمة، القريب من الإنجليزية ولهجتها، أوحيا إليه بالإجابة.
السؤال التالي لم يفهمه: سبب الزيارة؟
لكنه حزره، فقال بثقة: إنه يعمل في وكالة الأنباء الألمانية. وذكرها بحروفها المختصرة التي تعرف بها: «أ. د. ن» لكنه نطقها بالإنجليزية التي تختلف في النطق عن الألمانية، فطلب منه الضابط أن يتنحى جانبا وينتظر.
طال انتظاره إلى أن جاءت النجدة على شكل ممثل لوكالة الأنباء؛ كهل في منتصف الخمسينيات، ممتلئ الجسم، ضاحك الوجه، حريص على تصفيف شعره الأشقر الذي يخالطه البياض. قدم نفسه باسم
نويمان ، وقال إنه رئيس القسم العربي الذي سيعمل به
صادق . تحدث الممثل مع الضابط طويلا ويداه متشابكتان فوق بطنه في تواضع واستعطاف، وعلى شفتيه ابتسامة معتذرة. أشار الضابط إلى
صادق
أن يقترب، وأعاد إليه جوازه، فعبر الممر الضيق، واصطدم بباب مغلق، فتحه الضابط بضغطة من إصبعه على زر خاص داخل قوقعته، فأصدر صوتا كصافرات الإنذار، ثم انغلق على الفور من خلفه بصورة أوتوماتيكية. ألفى نفسه بين الحراس المسلحين ورجال الجمارك الذين فتشوا حقائبه بدقة متناهية، وأخيرا انضم إلى 17 مليون شخص يعيشون في الجزء الشرقي من
ألمانيا ، بينما يعيش ضعفا هذا الرقم في الجزء الغربي.
صحبه ممثل الوكالة في سيارته. اعتذر عن تأخره في المجيء. وأكدت رائحة الخمر التي فاحت من فمه صدق الاعتذار. لكنه ساق السيارة بحذر شديد وهو يتمتم بكلمات حانقة موجهة إلى «الفأر الأبيض»، اللقب الذي استحقه شرطي المرور الصارم. ولم يمنعه هذا من إبداء الاستغراب لتمتمات الشاب المصري المعربة عن إعجابه وانبهاره بالشوارع المقفرة التي تطل عليها خرائب الحرب ويغطيها الجليد. سبب الإعجاب مرتبط إلى حد ما بالثقافة؛ فهي أول مرة يرى فيها أوروبا والجليد، كما أنها أول مرة يضع قدمه في أحد بلدان الجنة الاشتراكية. ولم يصدق أنه في المكان الذي شهد أحداثا جساما قبل عشرين سنة «وسيشهد أحداثا مماثلة بعد عشرين سنة أخرى». وظل يكرر بالإنجليزية: رائع، رائع. والكهل يتلفت حوله في حيرة بحثا عن الروعة التي اكتشفها هذا العربي بسهولة.
صفحة غير معروفة