إبطال الربا وتحريمه
ثم قال ﵊: (وأول ربًا أضع ربانا، ربا العباس بن عبد المطلب، فإنه موضوع كله)، والعباس بن عبد المطلب كان يرابي في الجاهلية بأسوأ أنواع الربا، وهو ربا النسيئة الذي جاء تحريمه في كتاب الله ﷿، وجاء تحريم بقية أنواع الربا في سنة النبي ﵊، ولذلك بدأ بعمه الذي كانت له أموال طائلة من الربا فقال: كل ذلك باطل وموضوع ولا قيمة له، ولذلك أنكر الله ﷿ على المرابين في كتابه الكريم، ثم بين حال الذي يتعاطى الربا فقال: ﴿الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا﴾ [البقرة:٢٧٥] وكذبوا، ﴿وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا﴾ [البقرة:٢٧٥]، وقال سبحانه: ﴿يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ﴾ [البقرة:٢٧٦]، أي: يربيها وينميها، كما جاء في الحديث: (وإن أحدنا لا يتصدق بصدقة إلا تقع في يد الله ﷿ فيربيها له كما يربي أحدكم فلوه)، والفلو: ابن الفرس، فيربيه صغيرًا حتى ينمو ويكبر، وكذلك الزكاة نماء وطهارة، والربا يمحق هذا كله، قال تعالى: ﴿يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ﴾ [البقرة:٢٧٦]، أي: يربيها وينميها ويزكيها ويجعلها مطهرة وزكاة للنفس، كما قال تعالى: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ﴾ [التوبة:١٠٣]، وقال الله تعالى: ﴿وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللَّهِ﴾ [الروم:٣٩] أي: لا يزيد عند الله، وإن ازداد في نظر الغبي والعاصي فإنه لا وزن له عند الله، فأين مال قارون؟ لقد خدع به أصحاب الجهل، أما أهل العلم فقالوا: ﴿وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ﴾ [القصص:٨٠]، أي: ويلكم فأنتم لا تعلمون عاقبة الأمور، ولذلك قال: ﴿وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ﴾ [الروم:٣٩]، أي: الذين يضاعف الله ﷿ لهم الحسنات، ويكثر لهم من الأجر، ويحط عنهم من السيئات، ويخاطب الله ﷿ أهل الإيمان بأن يتقوا الله ويذروا ما بقي من الربا، ولا يسعهم إلا أن يقولوا: سمعنا وأطعنا، وهذا هو شعار الموحد، ﴿إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا﴾ [النور:٥١]، وليس له إلا ذلك، ثم قال تعالى: ﴿اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [البقرة:٢٧٨]، أي: إن كنتم صادقين حقًا في ادعائكم الإيمان فذروا الربا، فإنه مهلكة الشعوب والأبدان والأفراد، وخراب الديار وفساد العباد، وما تعاطت أمة الربا إلا أهلكها الله ﷿، وحرم عليها الطيبات، كما قال تعالى: ﴿فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا﴾ [النساء:١٦٠]، أي: من اليهود، ﴿حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ﴾ [النساء:١٦٠]، أي: طيبات كانت حلالًا لهم فحرمها الله ﷿ عليهم بسبب ظلمهم ﴿وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا * وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا﴾ [النساء:١٦٠ - ١٦١].
فالربا سبب لمحو البركة، وسبب لتحريم الطيبات على الأمم التي سبقتنا، ثم قال تعالى: ﴿فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا﴾ [البقرة:٢٧٩]، أي: فإن لم تتركوا ما بقي من الربا ﴿فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ [البقرة:٢٧٩]، أي: أن الذي يتعاطى الربا إنما يأذن بالحرب بينه وبين الله، سوء كان ذلك بين الأفراد وبين ربهم، أو بين الشعوب وبين ربهم، أو بين الأمة بأسرها، وإن هذه الأمة قد أعلنت الحرب مع الله ﷿ بتعاطيها الربا، بل وبنائها للمؤسسات الربوية التي تحمي هذه المعصية، ومن ورائها جنود الباطل يحمونها ويسمونها بغير اسمها، ويحتالون على معاصي الله بأدنى الحيل كما فعلت اليهود، فيحتالون ويسمون الأشياء بغير اسمها طلبًا لجوازها وحلها، وهيهات هيهات! فقد سموا الخمر مشروبات روحية، وسموا الزنا والخنا حرية شخصية، وسموا الربا فوائد وعوائد بنكية، وسموا التخلف التي هي المدنية التي تأتينا من هنا وهناك تقدمًا وتحضرًا، كما سموا الإسلام رجعية وتخلفًا، وهذا القول وحده كفيل بأن يكفر صاحبه، وأن يخرجه من الملة، فما بالكم لو أن مع
4 / 5