الأجوبة النافعة عن أسئلة لجنة مسجد الجامعة
الناشر
مكتبة المعارف للنشر والتوزيع
رقم الإصدار
الطبعة الأولى للطبعة الجديدة ١٤٢٠هـ
سنة النشر
٢٠٠٠م
تصانيف
الجواب عن الأسئلة
مدخل
...
الجواب عن الأسئلة
أقول وبالله أستعين:
إني قبل الشروع في الإجابة أرى من المفيد بل الضروري أن أسوق هنا الحديث الوارد في أذان عثمان الأول لأنه سيكون محور الكلام في المسائل الآتية كما سترى ثم إنه لما كان الحديث المذكور فيه زيادات قد لا توجد عند بعض المخرجين للحديث رأيت تتميما للفائدة أن أضيف كل زيادة وقف عليها بجعلها بين حاصرتين معكوفتين [] ثم أبين من أخرج الحديث والزيادات والأئمة في التعليق على الحديث وهاك نصه:
حديث أذان عثمان:
قال الإمام الزهري رحمه الله تعالى: أخبرني
1 / 17
السائب بن يزيد: أن الأذان [الذي ذكره الله في القرآن] كان أوله حين يجلس الإمام على المنبر [وإذا قامت الصلاة] يوم الجمعة [على باب المسجد] في عهد النبي ﷺ وأبي بكر وعمر فلما كان خلافة عثمان وكثر الناس [وتباعدت المنازل] أمر عثمان يوم الجمعة بالأذان الثالث "وفي رواية: الأول وفي أخرى: بأذان ثالث" [على دار [له] في السوق لها الزوراء] فأذن به على الزوراء [قبل خروجه ليعلم الناس أن الجمعة قد حضرت] فثبت الأمر على ذلك [فلم يعب الناس ذلك عليه وقد عابوا عليه حين أتم الصلاة بمنى]
_________
١ أخرجه البخاري ٢/٣١٤ و٣١٦ و٣١٧ وأبو ١/١٧١ والسياق له والنسائي ١/٢٠٧ والترمذي ٢/٣٩٢ وصححه وابن ماجه ١/٢٢٨ والشافعي في الأم ١/١٧٣ وابن الجارود في المنتقى ص ١٤٨ والبيهقي ٢/١٩٢ و٢٠٥ وأحمد ٣/٤٤٩ و٤٥٠ وإسحاق بن راهويه وابن خزيمة في صحيحه ٣/١٣٦/١٧٧٣ والطبراني وعبد بن حميد وابن المنذر وابن مردويه.
والزيادة الأولى: لابن راهويه وابن خزيمة وغيرهما.....................=
1 / 18
إذا علمت ما تقدم فلنشرع الآن في الجواب فنقول:
_________
= والثانية: لابن الجارود والبيهقي.
والثالثة: لأبي داود والطبراني.
والرابعة: لابن حميد وابن المنذر وابن مردويه وذكرها العيني في العمدة ٣/٢٣٣ دون عزو.
والخامسة: لابن ماجه وابن خزيمة والزيادة فيها للطبراني.
والسادسة: له.
والسابعة: وهي الأخيرة لابن حميد وابن المنذر وابن مردويه.
وأما الرواية الثانية: بالأذان الأول فهي لأحمد وابن خزيمة.
والثالثة: للبخاري والشافعي.
وانظر فتح الباري والتلخيص الحبير ونصب الراية والدرر المنثور.
1 / 19
الجواب عن الفقرة الأولى
١ - لا نرى الاقتداء بما فعله عثمان ﵁ على الإطلاق ودون قيد فقد علمنا مما تقدم أنه إنما زاد الأذان الأول لعلة معقولة وهي كثرة الناس وتباعد منازلهم عن المسجد النبوي فمن صرف النظر عن هذه العلة وتمسك بأذان عثمان مطلقا لا يكون مقتديا به ﵁ بل هو مخالف لعثمان أن يزيد على سنته ﵊ وسنة الخليفتين من بعده
متى يشرع الأذان العثماني
فإذن إنما يكون الاقتداء به ﵁ حقا عندما يتحقق السبب الذي من أجله زاد عثمان الأذان الأول وهو "كثرة الناس وتباعد منازلهم عن المسجد" كما تقدم
وأما ما جاء في السؤال من إضافة علة أخرى إلى الكثرة وهي ما أفاده بقوله: "وانغمسوا في طلب
1 / 20
المعاش" فهذه الزيادة لا أصل لها فلا يجوز أن يبني عليها أي حكم إلا بعد إثباتها ودون ذلك خرط القتاد
وهذا السبب لا يكاد يتحقق في عصرنا هذا إلا نادرا وذلك في مثل بلدة كبيرة تغص بالناس على رحبها كما كان الحال في المدينة المنورة ليس فيها إلا مسجد واحد يجمع الناس فيه وقد بعدت لكثرة منازلهم عنه فلا يبلغهم صوت المؤذن الذي يؤذن على باب المسجد وأما بلدة فيها جوامع كثيرة كمدينة دمشق مثلا لا يكاد المرء يمشي فيها إلا خطوات حتى يسمع الأذان للجمعة من على المنارات وقد وضع على بعضها أو كثير منها الآلات المكبرة للأصوات فحصل بذلك المقصود الذي من أجله زاد عثمان الأذان ألا وهو إعلام الناس: أن صلاة الجمعة قد حضرت كما نص عليه في الحديث المتقدم: وهو ما نقله القرطبي في تفسيره "١٨/١٠٠" عن الماوردي:
فأما الأذان الأول فمحدث فعله عثمان ليتأهب الناس لحضور الخطبة عند اتساع المدينة وكثرة أهلها
1 / 21
وإذا كان الأمر كذلك فالأخذ حينئذ بأذان عثمان من قبيل تحصيل حاصل وهذا لا يجوز لا سيما في مثل هذا الموضع الذي فيه التزيد على شريعة رسول الله ﷺ دون سبب مبرر وكأنه لذلك كان علي بن أبي طالب ﵁ وهو بالكوفة يقتصر على السنة ولا يأخذ بزيادة عثمان كما في "القرطبي "
وقال ابن عمر:
"إنما كان النبي ﷺ إذا صعد المنبر أذن بلال فإذا فرغ النبي ﷺ من خطبته أقام الصلاة والأذان الول بدعة".
رواه أبو طاهر المخلص في "فوائده" "ورقة ٢٢٩/١ - ٢"
والخلاصة: أننا نرى أن يكتفى بالأذان المحمدي وأن يكون عند خروج الإمام وصعوده على المنبر لزوال السبب المبرر لزيادة عثمان واتباعا لسنة النبي ﷺ وهو القائل:
1 / 22
"فمن رغب عن سنتي فليس مني ١" متفق عليه
وبنحو ما ذكرنا قال الإمام الشافعي ففي كتابه "الأم" "١/١٧٢ - ١٧٣" ما نصه:
وأحب أن يكون الأذان يوم الجمعة حين يدخل الإمام المسجد ويجلس على المنبر فإذا فعل أخذ المؤذن في الأذان فإذا فرغ قام فخطب لا يزيد عليه
ثم ذكر حديث السائب المتقدم ثم قال:
_________
١ ونقل الشيخ عبد الحي الكتاني في التراتيب الإدارية ١/٨٠ – ٨١ عن كتاب إنارة البصائر في مناقب الشيخ ابن ناصر وحزبه الهداة الأكابر ما نصه:
كان – يعني الشيخ سيدي محمد بن ناصر – يقتصر يوم الجمعة على مؤذن واحد وأذان واحد غير الإقامة أسوة برسول الله ﷺ إذ لم يكن في زمنه ولا في زمن أبي بكر ﵁ على ما هو الأشهر وصدر من خلافة عثمان وكان لا يؤذن في زمنه ﵊ إلا مؤذن واحد هذا هو الصحيح والمعتمد كما في فتح الباري والأبي اهـ.
ولقد ذكر الحافظ ٢/٣٢٧ أن العمل بهذه السنة استمر في المغرب حتى زمنه أعني ابن حجر أي القرن الثامن.
1 / 23
"وقد كان عطاء ينكر أن يكون عثمان أحدثه ويقول: أحدثه معاوية١ وأيهما كان فالأمر الذي كان على عهد رسول الله ﷺ أحب إلي فإن أذن جماعة من المؤذنين والإمام على المنبر وأذن كما يؤذن قبل أذان المؤذنين إذا جلس الإمام على المنبر كرهت ذلك له ولا يفسد شيء منه صلاته".
وكذلك نقول في المسجد الوارد ذكره في السؤال: إنه ينبغي أن يجري فيه على سنة النبي ﷺ لا على سنة عثمان وذلك لأمرين:
الأمر الول: أن الأذان فيه لا يسمع من سكان البيوت لبعدها كما جاء في السؤال بل ولا يسمع حتى من المارة في الطريق الذي يلي الثكنة من الناحية الشرقية والجنوبية فالأخذ حينئذ بأذان عثمان لا يحصل الغاية
_________
١ قلت: لا وجه لهذا الإنكار فقد تواردت الروايات أن عثمان هو الذي زاده فهو المعتمد كما قال الحافظ ٢/٣٢٣٨ ولو لم يكن فيه إلا حديث السائب لكفى وأما إحداث معاوية إياه فمما لا أعرف له إسنادا.
1 / 24
التي أراها به عثمان في الشرع ينزه عنه المسلم
الأمر الثاني: أن الذين يأتون إلى هذا المسجد إنما يقصدونه قصدا ولو من مسافات شاسعة فهؤلاء ولو فرض أنهم سمعوا الأذان - فليس هو الذي يجلبهم ويجعلهم يدركون الخطبة والصلاة فإنه - لبعد المسافة بينهم وبين المسجد - لا بد لهم من أن يخرجوا قبل الأذان بمدة تختلف باختلاف المسافة طولا وقصرا حتى يدركوا الصلاة شأنهم في ذلك شأنهم في صلاة العيدين في المصلى أو المسجد التي لا يشرع لها أذان ولا إعلام بدخول الوقت
نعم لا نرى مانعا من هذا الأذان العثماني إذا جعل عند باب الثكنة الخارجي لأنه يسمع المارة على الجادة ويعلمهم أن في الثكنة مسجدا تقام فيه الصلاة فيؤمونه ويصلون فيه كما قد يسمع من يكون في البيوت القريبة من الجادة١ ولكن ينبغي أن لا يفصل
_________
١ ونحو هذا ما جاء في تاريخ مكة للفاكهي قال..................=
1 / 25
بين الأذانين إلا بوقت قليل لأن السنة الشروع في الخطبة أول الزوال بعد الأذان كما يشير إلى ذلك قوله في الحديث السابق: "أن الأذان كان أوله حين يجلس الإمام على المنبر وإذا قامت الصلاة" أي قام سببها وهو الزوال وفي أحاديث أخرى أصرح من هذا سيأتي ذكرها عند الجواب عن الفقرة الرابعة إن شاء الله تعالى
ولا يفوتني أن أقول: إن هذا الذي ذهبنا إليه إنما هو إذا لم يذع الأذان عند باب المسجد بالمذياع أو مكبر الصوت وإلا نرى جوازه لأنه حينئذ تحصيل حاصل كما سبق بيانه
_________
ص ١١
وكان أهل مكة فيما مضى من الزمان لا يؤذنون على رؤوس الجبال وإنما كان الأذان في المسجد الحرام وحده فكان الناس تفوتهم الصلاة من كان منهم في فجاج مكة وغائبا عن المسجد حتى كان في زمن أمير المؤمنين هارون فقدم عبد الله بن مالك وغيره من نظرائه مكة ففاتته الصلاة ولم يسمع الأذان فأمر أن تتخذ على رؤوس الجال منارات تشرف على فجاج مكة وشعابها يؤذن فيها
= للصلاة وأجرى على المؤذنين في ذلك أرزاقا................ ثم قطع ذلك عنهم فترك ذلك بعدهم.
1 / 26
الجواب عن الفقرة الثانية
٢ - إن إذاعة الأذان من المسجد المذكور بالمذياع لا يغير من حكم المسألة شيئا لما سبق بيانه قريبا ونزيد هنا فنقول:
قد مضى أن عثمان ﵁ إنما زاد الأذان الأول: "ليعلم الناس أن الجمعة قد حضرت" فإذا أذيع الأذان المحمدي بالمذياع فقد حصلت الغاية التي رمى إليها عثمان بأذانه وأعتقد أنه لو كان هذا المذياع في عهد عثمان وكان يرى جواز استعماله كما نعتقد لكان ﵁ اكتفى بإذاعة الأذان المحمدي وأغناه عن زيادته.
1 / 27
الجواب عن الفقرة الثالثة
تحقيق موضع الأذان النبوي والعثماني
٣ - يفهم الجواب عن هذه الفقرة مما تقدم في الحديث: "أن الأذان في عهد النبي ﷺ وأبي بكر وعمر كان على باب المسجد وأن أذان عثمان كان على الزوراء". فإن وجد السبب المقتضي للأخذ بأذانه حسبما تقم تفصيله وضع في في مكان الحاجة والمصلحة لا على الباب فإنه موضع الأذان النبوي ولا في المسجد عند المنبر فإنه بدعة أموية كما يأتي وهو غير محقق للمعنى المقصود من الأذان وهو الإعلام ونقل ابن عبد البر عن مالك:
إن الأذان بين يدي الإمام ليس من المر القديم" أي إنه بدعة
وقد صرح بذلك ابن عابدين في "الحاشية" "١/٣٦٢" وابن الحاج في "المدخل" "٢/٢٠٨" وغيرهما ممن هو أقدم وأعلم منهما قال الشاطبي في
1 / 28
"الاعتصام" "٢/١٤٦ - ١٤٧" ما ملخصه:
قال ابن رشد: الأذان بين يدي الإمام في الجمعة مكروه لأنه محدث وأول من أحدثه هشام بن عبد الملك فإنه نقل الأذان الذي كان بالزوراء إلى المشرفة ونقل الأذان الذي كان بالمشرفة بين يديه وتلا على ذلك من بعده الخلفاء إلى زماننا هذا قال: وهو بدعة والذي فعله رسول الله ﷺ والخلفاء الراشدون بعده هو السنة. وذكر ابن حبيب أن الأذان عند صعود الإمام على المنبر كان باقيا في زمان عثمان ﵁ موافق لما نقله أرباب النقل الصحيح وإن عثمان لم يزد على ما كان قبله إلا الأذان على الزوراء فصار إذن نقل هشام الأذان المشروع في المنارة إلى ما بين يديه بدعة في ذلك المشروع "
وينبغي أن يعلم: أنه لم ينقل البتة أن الأذان النبوي
1 / 29
كان بين يدي المنبر قريبا منه قال العلامة الكشميري١:
ولم أجد على كون هذا الأذان داخل المسجد دليلا عند المذاهب الأربعة إلا ما قال صاحب الهداية": إنه جرى به التوارث ثم نقله الآخرون أيضا ففهمت منه أنهم ليس عندهم دليل غير ما قاله صاحب "الهداية" ولذا يلجؤون إلى التوارث"
قلت: وليس يخفى على البصير أنه لا قيمة لمثل هذا التوارث لأمرين:
الأول: أنه مخالف لسنة النبي ﷺ والخلفاء الراشدون من بعده
والآخر: أن ابتداءه من عهد هشام لا من عهد الصحابة كما عرفت وقد قال ابن عابدين في الحاشية "١/٧٦٩":
_________
١ في فيض الباري ٢/٣٣٥ وهو من كبار فقهاء الحنفية المشتغلين بالحديث في الهند وهو يتبع الحديث ولو خالف المذهب في بعض الأحيان توفي سنة ١٣٥٢هـ رحمه الله تعالى.
1 / 30
"ولا عبرة بالعرف الحادث إذا خالف النص لأن التعارف إنما يصلح دليلا على الحل إذا كان عاما من عهد الصحابة والمجتهدين كما صرحوا به"
فتبين مما سلف أن جعل الأذان العثماني على الباب والأذان المحمدي في المسجد بدعة لا يجوز اتباعها فيجب إزالتها من مسجد الجامعة إحياء لسنة النبي ﷺ
هل كانت المنارة في زمنه ﷺ؟
هذا وقد مضى في كلام الشاطبي ومن نقل عنهم: "أن الأذان النبوي كان يوم الجمعة على المنارة"
وقد صرح بذلك ابن الحاج أيضا في "المدخل" فقال ما مختصره:
"إن السنة في أذان الجمعة إذا صعد الإمام على المنبر أن يكون المؤذن على المنارة كذلك كان على عهد النبي ﷺ وأبي بكر وعمر وصدرا من خلافة عثمان ثم زاد عثمان أذانا آخر بالزوراء لما كثر الناس وأبقى
1 / 31
الأذان الذي كان على عهد رسول الله ﷺ على المنارة والخطيب على المنبر إذا ذاك".
ثم ذكر قصة نقل هشام للأذان نحو ما تقدم نقله عن الشاطبي
قلت: ولم أقف على ما يدل صراحة أن الأذان النبوي يوم الجمعة كان على المنارة إلا ما تقدم في الحديث أنه كان على باب المسجد فإن ظاهره أنه على سطحه عند الباب ويؤيد هذا أن من المعروف أنه لبلال - وهو الذي كان يؤذن يوم الجمعة - شيء يرقى عليه المؤذن "صحيح" ففي "صحيح البخاري" "٤/١١٠" عن القاسم بن محمد عن عائشة ﵂:
"إن بلالا كان يؤذن بليل فقال رسول الله ﷺ: "كلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر"
قال القاسم: "ولم يكن بين أذانهما إلا أن يرقى هذا وينزل ذا"
1 / 32
فلعله كان هناك عند الباب على السطح شيء مرتفع يشبه بالمنارة وقد يشهد لهذا ما أخرجه ابن سعد في "الطبقات" "٨/٣٠٧" بإسناده عن أم زيد بن ثابت قالت:
كان بيتي أطول بيت حول المسجد فكان بلال يؤذن فوقه من أول ما أذن إلى أن بنى رسول الله ﷺ مسجده فكان يؤذن بعد على ظهر المسجد وقد رفع له شيء فوق ظهره.
لكن إسناده ضعيف.
وقد رواه أبو داود وغيره بإسناد حسن دون قوله: "وقد رفع له شيء فوق ظهره" والله أعلم
والذي تلخص عندي في هذا الموضوع أنه لم يثبت أن المنارة في المسجد كانت معروفة في عهده صلى الله عليه وسلم١ ولكن من المقطوع به أن الأذان كان حينذاك في
_________
١ ولا ينافي هذا قول عبد الله بن شقيق التابعي:
"من السنة الأذان في المنارة والإقامة في المسجد وكان.................=
1 / 33
مكان مرتفع على المسجد يرقى إليه كما تقدم ومن المحتمل أن الرقي المذكور إنما هو إلى ظهر المسجد فقط١ ومن المحتمل أنه إلى شيء كان فوق ظهره كما في حديث أم زيد وسواء كان الواقع هذا أو ذاك فالذي نجزم به أن المنارة المعروفة اليوم ليست من السنة في شيء غير أن المعنى المقصود منها - وهو التبليغ - أمر مشروع بلا ريب فإذا كان التبليغ لا يحصل إلا بها فهي حينئذ مشروعة لما تقرر في علم الأصول: أن ما لا يقوم الواجب إلا به فهو واجب ولكن ترفع بقدر الحاجة.
_________
= عبد الله يفعله"
أخرجه ابن أبي شيبة ١/٨٦/١ بسند صحيح عنه وذلك لما تقرر في علم الأصول أن قول التابعي: من السنة كذا ليس في حكم المرفوع بخلاف ما إذا قال ذلك صحابي فإنه في حكم المرفوع.
١ كما في حديث عروة بن الزبير قال: أمر النبي ﷺ بلالا أن يؤذن يوم الفتح فوق الكعبة أخرجه ابن أبي شيبة ١/٨٦/١ بسند صحيح عنه إلا أنه مرسل.
1 / 34
غير أن من رأيي أن وجود الآلات المكبرة للصوت اليوم يغني عن اتخاذ المأذنة كأداة للتبليغ لا سيما وهي تكلف المبالغ الطائلة فبناؤها والحالة هذه مع كونه بدعة - ووجود ما يغني عنه - غير مشروع لما فيه من إسراف وتضييع للمال ومما يدل دلالة قاطعة على أنها صارت اليوم عديمة الفائدة أن المؤذنين لا يصعدون إليها البتة مستغنين عنها بمكبر الصوت.
لكننا نعتقد أن الأذان في المسجد أمام المكبر لا يشرع لأمور منها التشويش على من فيه من التالين والمصلين والذاكرين ومنها عدم ظهور المؤذن بجسمه فإن ذلك من تمام هذا الشعار الإسلامي العظيم "الأذان"
لذلك نرى أنه لابد للمؤذن من البروز على المسجد والتأزين أمام المكبر فيجمع بين المصلحتين وهذا التحقيق يقتضي اتخاذ مكان خاص فوق المسجد يصعد إليه ويوصل إليه مكبر الصوت فيؤذن أمامه وهو ظاهر للناس
1 / 35
ومن فائدة ذلك أنه قد تنقطع القوة الكهربائية ويستمر المؤذن على أذانه وتبليغه إياه إلى الناس من فوق المسجد كما هو ظاهر
ولا بد من التذكير هنا بأنه لابد للمؤمنين من المحافظة على سنة الالتفاف يمنة ويسرة عند الحيعلتين فإنهم كادوا أن يطبقوا على ترك هذه السنة تقيدا منهم باستقبال لاقط الصوت ولذلك نقترح وضع لاقطين على اليمين وعلى اليسار قليلا بحيث يجمع بين تحقيق السنة المشار إليها والتبليغ الكامل.
ولا يقال: إن القصد من الالتفاف هو التبليغ فقط وحينئذ فلا داعي إليه مع وجود المكبر لأننا نقول: إنه لا دليل على ذلك فيمكن أن يكون في المر مقاصد أخرى قد تخفى على الناس فالأولى المحافظة على هذه السنة على كل حال
1 / 36