يكون في تلك الحال أطرب منه عند سماع شائق الألحان، وتشاجي النغم من ذوي الإحسان، وربما قويت النفس حينئذ، وانبسطت الحرارة الغريزية فعملت في كوامن العلل.
أخبرني غير واحد ممن شاهد مثل ذلك أنه رأى من غدا إلى الصيد، وهو يجد صداعا مزمنا، فطفر فعرض له رعاف حلل ما كان في رأسه، وآخر كانت به سلعة يجبن عن بطها، قويت عليها الطبيعة فانبطت. وآخر كان في بدنه جرح مندمل على نصل سهم، فبدر ذلك النصل، في وقت احداد حركته وتكامل أريحيته، وربما عكس ما يعرض له من ذلك ذميم حالاته، فآلت إلى ضدها من الخيرية، حتى يتشجع، وإن كان جبانا، ويجود وإن كان بخيلا، وينطلق وجهه وإن كان عبوسا.
أخبرني بعض الأدباء عن رجل من الشعراء قصد بعض الكبراء. فتعذر عليه ما أمله عنده، وحال بينه وبينه الحجاب، وكان آلفا للصيد مغرى به، فعمد الشاعر إلى رقاع لطاف، فكتب فيها ما قاله من الشعر في مديحه، وصاد عدة من الظباء والأرانب والثعالب، وشد تلك الرقاع في أذناب بعضها، وآذان بعض، وراعى خروجه إلى الصيد، فلما خرج كمن له في مظانه ثم أطلقها، فلما ظفر بها واستبشر، ورأى تلك الرقاع، ووقف عليها، زاد في طربه، واستطرف الرجل واستلطفه، وتنبه على رعي ذمامه، وأمر بطلبه فأحضر، ونال منه خيرا كثيرا.
صفحة ٢٥