واختلاف التراكيب، تعجبا من مذاهب الوحش والطير، في مساعيها لمعاشها، وتمحلها لأقواتها وما يلحقها حين تقع في الأشراك، وترتبك في الحبائل، من الحتوف التي تنصبها لها الأطماع، ويسوقها إليها الحرص، فأنا من ذلك بين متبلغ للدنيا، ومتأهب للآخرة.
وهذا كتاب كليلة ودمنة المتعارف عليه بين الحكماء فضله، المشتملة على الآداب جمله وفصوله، ذكر واضعه أنه حكمة ألفها ، وجعلها على ألسنة الطير والوحش، للطف مواقعها من النفوس، بمقارنة الشكل الحيواني، وإذا كانت كذلك كانت بالقلوب أمس، من الحفظ أقرب، وإذا كان لذكرها والحكاية عنها هذا الموضع، فما ظنك بمشاهدتها ومطاردتها والظفر بما امتنع على الطالب منها.
وكانت ملوك الأعاجم تجمع أصنافها، (من الحيوان في حظائر) وتدخل أصاغر أولادها عليها وتعرفها صنفا صنفا منها، كي لا (ينسبوا إلى الجهل) إذا كبروا ولم يكونوا رأوها في صغرهم، فرأوا شيئا منها غريبا سألوا عنه.
وأشرف الغذاء الذي تحفظ به الأعضاء وما شاكلها، وليس شيء أشبه بها، وأسرع استحالة إليها من اللحم، وأفضل اللحمان ما استدعته الشهوة، وتقبلته الطبيعة بقوة عليه، ولا لحم أسرع انهضاما، وأخص بالشهوة موقعا، من لحم الصيد المطرود المكدود، لأن ذلك ينضجه ويهريه ويسقط عن الطبيعة بعض المؤونة في طبخه، وقد قام في النفس من العشق له، والتهالك عليه، والتشوف إليه، ما لم يقم فيها لغيره من المطاعم، فإذا وافى الأعضاء وقد تقدمت له هذه المقدمات، أحالته ذ
صفحة ٢٢