أمير المؤمنين على هذه الحال، قال: عجبوا منها قال: إنه كان لأمير المؤمنين في ذلك مذهب، وهو أنه سيأتي من أبنائنا من يحب الصيد ويتبذل فيه، فأحببت أن يكون مني ما رأيت فمتى فعل مثله منا فاعل بعدي قال الناس: قد ركب المنصور على مثل هذه الصورة.
وكان المهدي محمد بن عبد الله مع ما كان فيه من الحذر والتحفظ والبعد من التبذل مشغوفا بالصيد لا يكاد يغبه، وكان مع ذلك مجدودا فيه لا يحرم، ذكر ذلك بعض شعرائه في كلمة قال فيها:
يغدو الإمام إذا غدا ... للصيد ميمون النقيبه
فتؤوب ظافرة جوا ... رحه واكلبه الأريبه
بمخالب وبراثن ... بدماء ما اقتنصت خضيبه
وسهامه لوحوشه ... والطير قاصدة مصيبه
وكأنما عرفته فانق ... ادت لدعوته مجيبه
وكان للرشيد حظ من الصيد لا كمداومة المهدي له، واستهتاره به، وكان يرتاح له إذا حضره ارتياحا شديدا، حتى تحمله الأريحية على ركض فرسه، والشد في أثر الطريدة.
أخبرني بعض ولد عبد الملك صالح الهاشمي عن أبيه عن جده عن عبد الملك قال: كنت احضر مع الرشيد الطرد كثيرا، فحضرت معه يوما ومعنا حسين الخادم، وكانت الحال بيني وبينه منفرجة، ولا يزال يتتبع هفواتي، ويغري بي الرشيد، فأراغت الكلاب طريدة وأطلقت عليها، وأعطى الرشيد فرسه عنانه ومر يشتد في طلبها ولم أتبعه، ولا زدت في عنان فرسي، فرأى ذلك حسين مني فاهتبله وأسرع إلى الرشيد
صفحة ٤٣