ثم قال ما هذا الذي تعلقته؟ قلت: شراب هل لك فيه؟ قال: ما أكره منه شيئا. ثم نظرت إلى عينيه كأنهما مهاة قد أضلت ولدا، وذعرها قانص، فعلم نظري فرفع عقيرته يتغنى:
إن العيون التي في طرفها مرض ... قتلننا ثم لم يحيين قتلانا
فقلت: من أين لك هذا الشعر؟ فقال: وقع رجل منا نحو اليمامة فهو الذي أنشدنيه، ثم ملت لأصلح شيئا من أمر فرسي فرجعت وقد حسر العمامة عن رأسه فإذا هو أحسن الناس وجها، فقلت: سبحانك اللهم! ما أعظم قدرتك، وأحسن صنعتك، قال: وكيف قلت ذلك؟ قلت: لما راعني من نور وجهك، وبهرني من جمالك، قال: وما الذي يروعك من زرق الدواب، وحبيس التراب، ثم لا يدري أينعم بعد ذلك أو يبتئس. قلت: بل لا يصنع الله بك إلا خيرا إن شاء الله، ثم قام إلى فرسه، فلما أقبل برقت لي بارقة من الدرع فإذا ثدي كأنه حق فقلت: نشدتك الله أنت رجل أو امرأة؟ فقال أني والله امرأة تكره العهر وتحب العزل، قلت: وأنا والله كذلك، فجلست تحدثني ما أفقد من أنسها شيئا، حتى مالت على الدوحة سكرا، فاستحسنت والله يا ابن أبي ربيعة الغدر، وزين في عيني، ثم أن الله عصمني فجلست منها حجرة فما لبثت أن انتبهت مذعورة، فلاثت عمامتها رأسها وأخذت الرمح، وحالت في متن فرسها، فقلت لها: ولما تزوديني منك زادا، فأعطتني بنانها فشممت منها والله كالسياب الممطور ثم قلت: أين الموعد؟
صفحة ٣٥