ومضى إلى حجرة التليفون فانبسطت أساريره لأول مرة. لأول مرة سرت ابتسامة في غضون الوجه الصارم الكالح: آلو .. هنومة؟ .. كيف الحال؟ - ... - عال، هذا يعني أنه لن يعود اليوم؟ - ... - إذن نتقابل في السابعة؟ - ... - اعملي حسابك على ساعتين على الأقل، إلى اللقاء يا محبوبة.
واستقل السيارة وهو يقول للسائق: «بار الأنجلو». سيمكث هنالك ساعة ثم يمضي إلى هنومة. امرأة مثالية في غرامياتها، وزوجها البدين يتوهم أن البدانة يمكن أن تجعل من رجل زوجا موفقا. وهو يجيء إلى بار الأنجلو، فينهمك في لعب الطاولة مقامرا بمبالغ ضخمة، ومرة قاوم إغراء غريبا بصفعه على قفاه. أما البحيري فموعده الغد. سوف يصعق عند مطالعة الجريدة، وإذا انتحر فسيثبت بانتحاره أن سوء ظنه به لم يكن صوابا على طول الخط. واضطر السائق إلى ركن السيارة في آخر الطريق عند أول موضع خال فغادر السيارة؛ ليتم طريقه مشيا على الأقدام. سار فوق الطوار بجسمه النحيل الدقيق يطالع الدنيا بوجه صارم شبه متقزز. ومر بمحل لبيع التحف اليابانية، فدخله دون سابق تفكير لابتياع هدية لهنومة. اختار شبشبا مناسبا تماما للاستعمال في مسكنهما السري بالهرم. وواصل مسيره نحو البار. وعند أول منعطف قبل المقهى، وعقب نزوله من الطوار مباشرة، وجد نفسه مدفوعا نحو غلام يبول؛ فتراجع بسرعة هاتفا: «يا ولد يا كلب.» كان الغلام يبول في علانية استعراضية، وشقاوة وشت بسروره بما يفعل. وقد انطلق البول متلألئا تحت أشعة الشمس في هيئة قوس، والغلام يدفعه بحركاته الذاتية إلى أقصى مدى يستطيعه. تراجع كريم بك في شبه فزع فزلت قدمه، فهوى على ظهره فارتطم مؤخر رأسه بحافة الطوار. ذعر الغلام فولى هاربا. ووقف المارة القريبون؛ ليشاهدوا الحدث الغريب، وهم بين الرثاء والابتسام، ولكن كريم بك استلقى في إغماء لا شك فيه. وهرع إليه بعض ذوي النجدة ليسعفوه. وارتفع من بينهم صوت هاتفا: يا لطف الله ... الرجل جثة هامدة!
صفحة غير معروفة