ما رأيك في هذا النظام؟ سأبدأ بمقدمة عنك ألقيها بنفسي، يعقب ذلك حوار بيني وبينك، أنا أسأل وأنت تجيب، يتخلل ذلك مناظر من المسرحيات ومواقف من الأفلام، ثم جلسة عائلية في بيتك، ولكن آه .. راضية ستكون متوعكة ربنا يشفيها. - آمين، ماذا تعرف عن جراحة الولادة؟ - كل خير، لا تصدق الأطباء، الصعوبة الحقيقية في تسجيل المسرحيات القديمة، اتصلت بكثيرين من الممثلين، ولكن هل لديك أصول المسرحيات؟
ولما لم ينبس قال سمير: أنت لست معي! - معك، عندي الأصول، عن إذنك التليفون.
وكرر السؤال عنها فتلقى نفس الجواب، وأعاد السماعة مغمغما: يا رب. وقال سمير: تعال لمقابلتي في الإذاعة مساء الأحد. - ربنا يطمئني أولا. - إن شاء الله، لا تكن خوافا هكذا، ألا ترى أنك تذكرني بدور الباشكاتب الذي تفوقت فيه على نفسك!
عاد إلى قهوة الشمس فوجد أن مجلس الزملاء قد انعقد كشأنه ظهر كل يوم. وصمم على ألا يعلن شكواه لأحد، فجاراهم في أحاديثهم بقلب غائب، واشترك أحيانا في قهقهاتهم التي ترج القهوة في تلك الساعة من النهار. وعند الواحدة قاموا ليتناولوا الغداء في المقطم، دعوه للذهاب معهم فاعتذر فمضوا إلا واحدا هو حيدر الدرمللي، وهو زميل قديم عمل في مسرحه ملقنا، ويشتغل اليوم مدير إنتاج في شركة سينمائية. ولم يدر بالسبب الذي جعل حيدر يتخلف عنهم حتى قال هذا بقلق: ظهرت نتيجة تحليل الدم، وهي ليست على ما يرام.
تذكر أنه شكا إليه مرضا ألم به منذ عشرين يوما في أحد الاستديوهات، فقال له معتذرا: آه نسيت أن أسأل عن صحتك بسبب زياط إخواننا وتهريجهم، آسف يا حيدر، أنا شخصيا في كرب عظيم.
واضطر حيدر إلى تأجيل الكلام عن تحليل الدم إلى حين، وسأله: لم والعياذ بالله؟
فحدثه عن حال زوجته حتى قال حيدر: أسأل الله لها السلامة، ولعل الولادة تتم دون جراحة، ولكن خبرني ماذا تعلم عن زيادة كريات الدم البيضاء؟ - لا أدري، وعلى أي حال فالطب تقدم جدا، فوق ما تتصور، ولكن .. ولكن أنا المسئول! - أنت؟ - نعم، كان يجب أن أحتاط، فلا أسمح بالحمل مهما تكن الظروف.
هز حيدر رأسه في امتعاض، وهو يتكلف الاهتمام بكلام الآخر تكلفا، ولكنه لم ينبس بكلمة، فقال صقر: ولما وقع المحذور كان علي أن أجهضها بأي ثمن، وهاك نتيجة الإهمال.
فتبسم حيدر وهو يجول في المكان بنظرة ذاهلة: دنيا! يعني أنا كان مالي ومال الكريات البيضاء! - على رأيك، وهل تدري ماذا تعني جراحة الولادة؟ شق البطن! - ربنا لطيف بالعباد، وهل تدري أنت أن مرضي يجهله أطباؤنا ويقفون حياله حيارى؟ - لا تتشاءم، ربنا لطيف بالعباد كما تقول، وإلا فمن لأم تتعذب هذا العذاب، وهي تهب الدنيا مولودا جديدا؟
وأجهدهما الكلام فيما بدا فلاذا بالصمت، واندفن كل في ذاته، فاجتر أحزانه وحده. ونظر صقر في الساعة ثم طلب القهوة الرابعة مذ غادر المستشفى، وأشعل السيجارة العاشرة. وتساءل عما يخبئه له اليوم! وتجنب صاحبه كما تجنبه صاحبه فقام بينهما سد. وقال صقر وكأنما يخاطب نفسه: إني أعجب كيف أني أكرس حياتي لإضحاك الآخرين!
صفحة غير معروفة