فانزعج طاهر وخفض عينيه غاضبا. - ألا تحب النظام يا طاهر؟
فقال بحدة: لا أحب لشيء أن يتكرر مرتين. - لكنها الفوضى يا بني.
فهتف الشاب: ما أجمل هذا!
وتشاور الوالدان فأجمعا على وجوب البدء في العلاج دون إبطاء، ولو ضاع العام الدراسي. واتفقا على أن يستشيرا طبيبا باطنيا أول الأمر، على أن يذهبا بعد ذلك إلى طبيب أعصاب إن نصح الباطني بذلك، ثم إلى طبيب نفساني إن لزم الحال.
وكان الوالدان في الحديقة يستقبلان بعض الضيوف، وسمير وهدى يذاكران، عندما سمع الجميع ضجة في الطريق وتدافع أقدام في الداخل وصراخ الخادمين.
وتبين أن النار مشتعلة في الطابق العلوي . وانطلقوا جميعا إلى الطريق وأحد الخادمين يحمل طاهر بين يديه. وجاءت المطافئ فأخمدت النار قبل أن تستفحل. وقال طاهر في التحقيق ببساطة مذهلة: نعم، أنا الذي سكبت البترول وأشعلت النيران.
ولما سئل عن السبب أجاب بالبساطة نفسها: لا أتذكر.
ثم لاذ بالصمت.
وانطلقت سيارة المستشفى. جلس طاهر مقيد اليدين والقدمين بين والديه، على حين جلس أمامهم مندوب المستشفى: كم رأينا من حالات أشد من هذه، ثم عاد أصحابها كأعقل ما يكون.
وأراد الأب أن يقول: «إن ذهاب العقل كارثة لا تعادلها كارثة.» ولكنه لم ينبس، وساءل نفسه: «ما معنى هذا؟! وهل ثمة خطأ؟» كان بيته - وما زال - معبدا للعقل وللنظام، فكيف تسلل إليه الفساد؟ وحز الألم في نفسه، حتى تتابعت تأوهاته الباطنية، وحتى حسد زوجته على سخاء عينيه. ولحظ الابن العزيز بطرف عينه فرآه قد أغمض عينيه، فعض على شفته.
صفحة غير معروفة