تضاف إلى ذلك تقلبات الفصول والجفاف البالغ الحد، فحالت دون نضوج الأغلال. إن الحكومة لم تمنح أية مهلة لدفع الضريبة أو الإعفاء منها. وهكذا فإن قسما من الأهلين فروا إلى المدن عندما أناخت الفاقة على القرية؛ فالتكاليف التي ألقيت على عاتق الذين لا يزالون يقطنونها زادت في طينة بؤسهم بلة، فأقفرت البلاد.
وحدث أن تآمرت القرى عندما أشبعت ظلما وهوانا، فسر الباشا بذلك، فحاربهم: هاجم منازلهم ونهب منقولاتهم ومواشيهم، أما الأرض فظلت مقفرة، فأتي بأناس يفلحونها على حسابه الخاص؛ لأنه لا يشاء مغادرة سوريا.
لقد عرف السيد ميشو - عندما زار مصر - حقوق التملك في هذه البلاد معرفة صحيحة، فكان يقول:
ما قيمة الملكية العقارية في ظل الحكومات المستبدة التي تستطيع - عندما تشاء وكيفما تشاء - أن تغتصب الأراضي؟! إن الأرض لهي ملك من يستطيع أن يسألها عما تنتج، وأكثر مما تنتج.
2
قيل: إن المصريين قاموا كثيرا بحراثة الأراضي البور وغرسها في سوريا، ولكن لحسابهم الخاص، بعد أن انتزعوها من مالكيها الحقيقيين. كانوا يدمرون القرى الخاصة ليبنوا أخرى تكون بكاملها لهم؛ فطريقة تعديهم المتجاوزة الحد كانت ترمي إلى أن تجعل من سوريا مصر ثانية لها، ولا يمكن تأويل تلك القساوة وهذه الأساليب التي اتبعت إلا بالرغبة في الوصول حالا إلى هذه النتيجة: امتلاك سوريا امتلاكا تاما.
والذين كانوا يقطنون سوريا، يوم كانت تحكم بصورة تعارض مصالح محمد علي ورغباته وأمانيه، يعلمون أن هذا الكلام غير مبالغ فيه. ويمكننا هنا أن نضيف بعض خطوط تزيد هذا المشهد تعاسة؛ فقد كلفوا المقيمين أن يدفعوا ضرائب المهاجرين، فأحرجوا موقف الكثيرين من الفلاحين المسلمين والنصيريين، فاضطروا أخيرا إلى بيع بناتهم ليخرجوا من هذا المأزق الحرج، وقام المصريون بهذه الأعمال وفقا للمبدأ السياسي التركي القائل بوجوب إرهاق الشعب؛ لأنهم على يقين بأنه لم يجرؤ على الاستغاثة بصوت عال، أو - على الأقل - لأنه من الصعب أو من المستحيل أن تبلغ صرخاته آذان السلطان.
3
كانت الحكومة تلاحق - بشدة وعنف - مبذري أموالها الخاصة، أما المختلسون فكانت تحيلهم إلى الديوان.
4
صفحة غير معروفة