245

بيروت ولبنان منذ قرن ونصف القرن

تصانيف

ولا يحق لك أن تستطلع العربي عن أخبار أو أحوال أو صحة أهل البيت إذا لم تكن بينك وبينه أقصى الألفة. وإذا ما اضطروا إلى التحدث عنها في حضرة أحد أمرائهم وزعمائهم فإنهم يطلقون عليها اسم العبدة. والزوجة في معرض كلامها عن رجلها تسميه سيدها، أو ابن عمها، أو أبو فلان، سواء أسبقت هذه التسمية ولادة الصبي أو عقبته.

وكثيرا ما يميل الجبليون إلى إبدال اسمهم بكلمة أبو فلان، حتى إنهم تعودوا أن يتكنوا قبل أن يتزوجوا.

يرون في الزواج عملا مشرفا يرفع من قدر الرجل، ويبتهجون إلى أبعد مدى إذا ما كان ولدهم الأول ذكرا؛ وهكذا تطلق عليهم في اليوم الذي يلي الولادة الكنية الجديدة: أبو جرجس، أبو حنا، أبو يوسف، تبعا لاسم القديس الذي يقتبسونه من الروزنامة أو الإنجيل، فلكل يوم قديس. إنهم يغضبون ويكدرون من أصبح أبا إذا ما ظلوا يخاطبونه في المجتمعات بالاسم الذي كان له قبل هذا الحادث السعيد.

والذي حدا إلى استعمال الكنية قبل الزواج هو أن الكنية عندهم هي خير الألقاب. ومن قلة الأدب أن يخاطب الرجل باسمه. وقد لا يرزق الرجل أولادا ذكورا أو يحرم العقب سواء أكان ذكرا أو أنثى؛ ولذلك يحتاطون لهذه المصيبة قبل وقوعها، فلا يعيش الرجل بلا كنية طول عمره.

وقد تلتصق الكنية بصاحبها فلا تبارحه مطلقا وإن رزق صبيا وسمي باسم يختلف تمام الاختلاف عنها. والطبقات المرموقة تهتم أكثر من العامة باتباع هذا العرف؛ فالأمير ملحم الحالي، الذي رزق خمسة صبيان، لم يعرف إلا بأبي فاعور - كنيته التي عرف بها قبل الزواج والإعقاب. والذين يخشون أن يفوتهم بعض الذوق في انتقاء اسم ما يكتفون عادة بكنية أطلقت على إحدى الشخصيات العظيمة؛ وهكذا أصبح مألوفا اليوم أن يكنى جرجس بأبي عساف، وإلياس بأبي ناصيف، ويوسف بأبي الحسن، وموسى بأبي نجيم؛ لأنه سبق لرجالات أشداء في الجبل أن حملوا هذه الكنى، فصارت عندهم اليوم من التقاليد.

بيد أنه لما كان لكل قاعدة شذوذ حتى في لبنان، فقد وجدت أن الميل إلى تبديل اسم الرجل العازب باسم ولده، عندما يتزوج ويرزق ولدا، ليس عاما عندهم ... وعرفت أشخاصا عديدين ظلوا متمسكين باسمهم الأول ورغبوا رغبة قوية في المحافظة عليه رغم ولادة صبي لهم؛ فكانوا يعمدون ولدهم حينذاك بطريقة سرية، ويسمونه أبا إلياس مثلا، فيستحيل على من يريد أن يكنيهم أن يقول لهم: أبو أبو إلياس ... وبهذه الحيلة كانوا يحافظون على اسمهم الذي يؤثرونه على الكنية.

ويزعمون هنا أن محبة الذات تعمل عملها في عادة إطلاق اسم الابن على الأب، وقد كانت الدافع لاستنباط هذه الوسيلة؛ فكلمة أبو فلان فقط لا توحي لنا أي انقباض، أما أن ندعو امرءا أبا أبا فلان فهذا لم يسمع بمثله، وإذا كنا سمعنا بشيء مثل هذا فسببه المصانعة والمداجاة أيام الظلم والاستبداد. أيكون هنالك اسم أجمل من اسم الأب؟ لقد قدست جميع الشعوب الأبوة، ويجب أن تقدس أيضا في لبنان حيث لا يزال الناس يحافظون فيه على عادات الأزمنة الأولى البسيطة.

إن النساء لا يتخفين أبدا في الجبل، فالشباب ينتقون بأنفسهم زوجاتهم، وعندما يعلن الأهلون رضاهم تبدأ حفلة الخطبة التي يكون لها بعض الرونق؛ فالعقد ينظم بحضرة شاهدين يكون أحدهما أو كلاهما من القسوس، وفي هذه العقد يذكر ما يقدمه العريس أو العروس من أموال ثابتة ومنقولة، وعندما يمنح الكاهن البركة يعتبر هذا العقد الديني كأنه نصف سر مقدس؛ فلا يمكن نقضه بدون سبب موجب، أو بدون رضى الفريقين، أو إخلال أحدهما بتعهداته، كما أنه لا يجوز أن تتجاوز مدة الخطبة - لغير مبرر شرعي - مدة سنة؛ ففي نهاية هذا الأجل يجب أن يتم الزواج، وإلا فالسلطات تجبر المتعاقدين على ذلك.

إن الأعراس مستحبة كثيرا في القرى، تنعشها، وتخلق فيها - ولو لبضعة أيام - أسباب اللهو الكثيرة الجلبة. والعرب يبتهجون في هذه المناسبات حتى الجنون. إن هرج هؤلاء الرجال وهذيانهم يبلغان أشدهما في المرافع وفي الأعراس؛ فكل واحد يريد أن يعرب عن مقدار اهتمامه واندفاعه أمام قريبه أو صديقه، ويحاول أن يتميز من سواه كيما يقال فيما بعد إن هذه الحفلة كانت أكثر الحفلات بهجة وإبداعا.

تكون الحفلات في منزل العريس، وأهل العروس لا يظهرون أية بهجة كي لا يفسحوا مجالا للقول بأنهم يتملصون بسرور من ابنتهم.

صفحة غير معروفة