هز وديع رأسه نفيا فطلب الشاب أن يلقي نظرة على السكن. تنحى وديع عن الباب وصحبناه إلى غرفتي فألقى نظرة على محتوياتها دون أن يمس شيئا، ثم انتقلنا إلى غرفة وديع.
كان المسدس ما زال في مكانه فوق الكومودينو المجاور للفراش. لمحه الشاب فالتقطه وقرب فوهته من أنفه ثم حمله في يده إلى الصالة. وأخرج دفترا صغيرا من جيبه فدون به علامات المسدس وتركه على الطاولة، ثم انتزع ورقة بيضاء من دفتره، وسجل عليها عدة أرقام وناولها لوديع قائلا: أرجو أن تتصل بأحد هذه الأرقام إذا عرفت شيئا.
تناول وديع الورقة وهو يقول: أنا أعرف الرقم. سأفعل.
أعرب الشابان عن أسفهما لإزعاجنا، وغادرا المسكن فانضما إلى أبي شاكر الذي سبقهما إلى باب المسكن المجاور.
أغلق وديع الباب بينما كنت أملأ لنفسي كأسا من الويسكي.
قال وهو يرتمي في أحد المقاعد: املأ لي واحدة أنا الآخر.
ملأت له كأسه، وناولتها له فرفعها إلى شفتيه ثم أعادها إلى الطاولة وهو يقول: تذكرت. لقد قابلت هذا المسلح قبل الآن. كان وقتها في الجبهة الشعبية.
تساءلت: ولماذا تركها إلى «فتح»؟
هز كتفيه قائلا: من يعلم؟ ربما تشاجر مع رؤسائه، أو اختلف معهم فكريا، أو ارتكب خطأ ما وأرادوا معاقبته. وقد يكون الراتب هو السبب؛ ففتح تدفع أكثر لمقاتليها.
مددت يدي إلى المسدس فتناولته وقلبته في حذر قائلا: هل تعرف أن هذه هي أول مرة في حياتي أمسك بمسدس حقيقي؟ لكني تدربت جيدا على البنادق الروسية أيام العدوان الثلاثي. كان يدربنا جندي عجوز. وكان يتعمد أن يتشدد معنا بسبب آرائنا. وعندما دخلنا السجن نقل إليه، صدفة على ما أعتقد. وكان يستمتع بالإشراف على تعذيبنا، ثم يجمعنا أمامه ويأمرنا بأن نجلس القرفصاء ونهتف بحياة جمال عبد الناصر، كأنما الهتاف لعبد الناصر يتطلب كل هذا العناء.
صفحة غير معروفة