لم أفهم لأول وهلة أية حرب وأية إجراءات يعني، ثم أدركت أنه يشير إلى الحرب الأهلية اللبنانية، والتفتيش المتكرر الذي تعرضنا له.
أدرت رأسي نحوه وقلت: احتياطات لا ضرر من ورائها.
طالعني وجه أسمر لكهل في الستين، تتوسطه عينان ماكرتان، وتحف به لحية رمادية خفيفة، مدببة الطرف.
طافت عيناه بملابسي وشعري، وتمهلت عند إصبعي الخالي من خاتم الزواج، وبشائر الشعر الأبيض فوق رأسي. وتجلى فيهما تركيز بالغ وهو يتأمل الحقيبة الجلدية الملقاة بين قدمي.
شعرت بحاجة ماسة إلى الشراب، فأدرت رأسي إلى الناحية الأخرى، وملت بها في الممر الفاصل بين المقاعد، ملتمسا إحدى المضيفات. أحصيت في ذهني ما أحمل من دولارات مفردة. وقررت أن أطلب علبة بيرة، ثم تذكرت أن ثمنها يتجاوز نصف الدولار دون أن يبلغه كله. والغالب أن المضيفة لن تعيد إلي باقي الدولار؛ لأن الطائرة عربية، ونحن جميعا عرب. وبهذا الدولار يمكنني أن أحصل على كأس من الويسكي أو الجين، يبعث شيئا من الحيوية في عروقي.
استدار أحد ركاب الصف المقابل ناحيتي، قابضا على مسند مقعده بأصابع يكسوها طلاء أصفر اللون، وخاطب راكبا خلفي بلهجة مصرية، سائلا إياه عما إذا كان قد اشترى المسجلة من السوق الحرة.
أومأ السعودي إليه قائلا: هؤلاء ذاهبون للعمل في العراق. وهم مضطرون للسفر عن طريق بيروت؛ فمطار بغداد مغلق ومطار عمان لم يعد يحتمل المزيد.
اشتدت حاجتي إلى الخمر. ومرت المضيفة فطلبت منها كأسا من الويسكي. ولم أعبأ بنظرة الاستهجان التي رماني بها السعودي.
سألني بعد لحظة: بيروت وجهتك أم ذاهب إلى مكان آخر؟
قلت: لا، بيروت. - الشرقية أم الغربية؟
صفحة غير معروفة