وذلك بعد أن ظل ذلك البطل الإلهي «جلجاميش» في العالم السفلي اثنتي عشرة ساعة مضاعفة متجولا في الظلام الدامس، مقاوما النوم ستة أيام وسبع ليال، بحثا عن الخلود والتيقظ.
حتى إذا ما وصل إلى عتبات كبير الآلهة «أوتونبشتم»، متعرضا للكثير من امتحانات الذكاء والحزازير، منها وضع سبعة أرغفة على رأسه، «وأن يعجن الرغيف السابع، ويشكل السادس، ويبلل الخامس، ويترك الرابع يختمر، ويحمر الثالث، ويشوي الثاني، ويعد الأول للأكل وهو على رأسه»، غمغم متمخضا: تعطيل.
من جديد تمددت ذراعه بكاملها، ومن طرفها تتدلى أصابعه المفكوكة الخمس، في وجه الرئيس ونائبته، بينما التحدي الغشيم يطغى على ملامحه بوجهه الأقرب إلى محاولات النحت الحديث، ودأبه في تشكيل الفراغ بدلا من الكتلة وترهلها، تلك الاستطالات الغائرة، تلك العيون اليقظة الندبات، الأنف النحيف الدقيق الانسيابي الصقري، ثم ذلك الأسى المتمثل في زمة فمه، كمن يمسك عن القول: أجل الإفصاح، الجنب المريح الذي عليه ننام، نستريح، أن أعبر عن نفسي مثلكم، ألقي بدلوي، وجهة نظر.
تنبه ساحبا يده السائلة، معتدلا في كرسيه، مستديرا إلى حيث اليد التي امتدت من خلفه منبهة؛ ليجد نفسه وجها لوجه مع تلك الفتاة الجنوبية الحنونة الصغيرة، فتاة راشيا الفخار، التي مالت على أذنه اليسرى مسرة، كمن آلمها وضعه ذاك فوجدت له مخرجا هامسة: اكتب سؤالك وقدمه للرئيس.
شكرها حين انسحبت الفتاة مختفية في كواليس المؤتمر، وانكب مدونا:
الزميل رئيس الندوة الدولية، منذ أمس الأول وأنا أرفع لكم يدي بالسؤال وما من مجيب.
الباحث المهاجر لديكم
المذكور
أشار من فوره في تعال إلى أحد موظفي العلاقات العامة بالمؤسسة المعنية بشئون الشرق الأوسط ونكباته المستعصية، ودفع له بالورقة المطوية: للسيد الرئيس.
أخذ الموظف الوريقة ودفع لآخر بها، دفع بها لما يعقبه إلى أن استقرت في يد الرئيس الشارد، فقرأها وردها من فوره عبر موظفي وموظفات العلاقات العامة بشاراتهم الخضراء التي تعلو صدورهم، وتحمل طوطم المؤسسة ومناسبة المؤتمر، إلى أن استقرت من جديد في يده.
صفحة غير معروفة