وهناك لوحات تستوقف الانتباه؛ لأنها خلال التعبير عن فكر متغلب أو تأثر طام أنبأتنا بأن ثمة شخصية كبيرة ومزاجا فنيا مشوقا قدر له أن يبرز بحرية وأن يصعد عاليا في أفق الفن.
فكما أن في هذا المعرض وجوها للتحسين والإصلاح، فكذلك فيه حسنات توحي الرجاء، وأكبر الأمل أنه يقام كل سنة، وأن في مصر الآن نواة فنية يرجى لها النمو. فللجنة الساهرة على هذا المعرض السنوي أجمل الثناء، مشفوعا بالرجاء أن يكون الانتخاب في العام الآتي أدق وأحكم؛ فمصر طفلة في الفن واليقظة، وهي ككل حدث تحتاج إلى من يتعهدها بخبرة ومحبة.
3
أقول مصر في طور الحداثة، وأعني كل ما تتضمنه هذه الكلمة، فإن هذا الطور إذا كان كثير العيوب ففيه كذلك حظ كبير من الحسنات والمواهب التي تنتظر الصقل والنمو.
في هذا الطور خلوص النية، وصفاء الطوية، وذكاء الفؤاد، ومقدرة العطف، وشتى الحوافز لاقتحام أعلى القمم. وفيه خلو من مرارة التجربة وتجاهل لليأس والفشل، وهو حديقة تنور فيها كل أزهار الأمل.
ومصر متمتعة بهذه الثروة الفاخرة.
فعلى متعهدي الفن فيها أن يذكروا أن بعض الأمزجة ذات وزن كبير أو ذات وزن ما، وتلك هي التي يكون الإغضاء عنها جريمة وخسران، وسيكون لأصحابها أثر في الروح العامة إذا هم وجدوا من الظروف ظهيرا، واستطاعوا أن يثقفوا مواهبهم بما تقتضيه من سعي ومجهود وثبات.
ولكن ليس كل من رسم كذلك، وللمرء كل الحرية في أن يرسم لنفسه ويعرض رسومه في منزله، ولكن حريته تغدو محدودة يوم يهم بنشر ما لها به في معرض عام.
إن الرسم والتصوير والنحت كالشعر والموسيقى، لا خير فيها إلا إذا عبرت عن مزاج تام، وكانت على جانب من الإتقان، في حين أن أية نهفة من صوت ولو غير جميل، تعني شيئا ما، وتدل على خاصة حيوية. وحسبها أنها تنوع من التنفس الذي هو أصل الحياة وضمانها ودليلها الواحد. أما التصوير والرسم والنحت والشعر والكتابة الأدبية فلا بد أن يتساوى فيها حظا الصنعة والفن؛ أي «كيفية» التعبير و«كمية» من شخصية يتسنى التعبير عنها.
ونحو هذه الغاية فلتسر مصر في معرضها التصويري، فتنشر آثارا توازت فيها المادة والأسلوب. وليس من الضروري أن يتكاثر العدد كل سنة، ولكن من المحتم أن يرتقي الفنانون وتصقل مواهبهم وتجود آثارهم. فالفن ككل شيء آخر في الحياة، له مختاروه وأشياعه، وقد كان دواما نصيب الأقلية. ولا يطلب من الجمهور إلا أن يفهمه أو يفهم بعضه. وتربيته على ذلك ميسورة في مثل هذه المعارض السنوية.
صفحة غير معروفة