صلى الله عليه وسلم : «الحجر الأسود يمين الله في الأرض.» وهذا الصنف تأويله خاص بالعلماء، ويؤولونه لأنفسهم خاصة، ويقال للآخرين الذين شعروا أنه مثال، ولكن ليسوا من أهل العلم الذين يعرفون لماذا هو مثال: بأنه من المتشابه الذي يجب عدم البحث عنه، إلا للعلماء الراسخين، أو ينقل لهم التمثيل لما هو أقرب إلى معارفهم ومداركهم، كما يرى الغزالي في كتابه «التفرقة بين الإسلام والزندقة». (5)
وأخيرا، أن يكون المعنى الظاهر مثالا ورمزا لآخر خفي، ولكن لا يتبين أنه مثال إلا بعلم بعيد، ومتى عرف أنه مثال يتبين بعلم قريب لماذا اختير بذاته ليكون مثالا، وهذا القسم من الممكن أن نقول بأن الأحفظ للشرع ألا يتعرض لتأويله، بل الأولى بالنسبة لغير العلماء أن نبطل الأمور التي من أجلها ظنوا أن المعنى الظاهر من النص هو مثال لآخر خفي هو المراد منه، ولنا كذلك أن نقول بجواز التأويل لهؤلاء أيضا، وذلك لقوة الشبه بين المعنى الخفي المراد وبين ما ضرب رمزا ومثالا له.
وبعد هذا التفصيل؛ يذكر فيلسوف قرطبة «أن هذين الصنفين (الرابع والخامس) متى أبيح التأويل فيهما تولدت منه اعتقادات غريبة وبعيدة عن ظاهر الشريعة، وربما فشت فأنكرها الجمهور.»
27
يريد أن يقول بأن الخير في هذا هو البعد عن التأويل؛ ولهذا لما أخذ في تأويل نصوص الشريعة من لم تتميز له هذه المواضع كالمتصوفة، «ولا تميز له الصنف من الناس الذين يجوز التأويل في حقهم.» اضطرب الأمر في الدين، ووجد بين المسلمين فرق يكفر بعضها بعضا، وهذا كله جهل بما قصد الشارع، وتعد على الشريعة نفسها.
28
هذا، ولكي نتقي أمثال هذه النتائج السيئة، وزرع العداوة بين الشريعة والفلسفة يجب بصفة عامة كما يقول ابن رشد ألا يصرح بالتآويل وبخاصة البرهانية لغير أهلها، وهم أهل البرهان، كما يجب ألا تثبت هذه التآويل في الكتب الخطابية والجدلية الموضوعة للعامة وأمثالهم من أهل الجدل، وإلا أدى ذلك إلى إبطال ظواهر النصوص التي يفهمها الواحد من هاتين الفئتين، مع العجز عن إدراك التأويل البرهاني، فيضل ويقع في الكفر إن كان ذلك في أصول الشريعة.
29
وفي أخذ العامة وتكليفهم بالإيمان بظواهر النصوص وحدها، دون ما فيها من معان خفية، سعادتهم، وذلك بأن المقصود الأول بالعلم في حق الجمهور هو العمل، فما كان أجدى في الدفع إليه كان أفضل من غيره، أما الخاصة فإن مقصودهم الأول هو الأمران معا: العلم والعمل؛ ولهذا كانت سعادتهم في تأويل ما يجب تأويله لمعرفة المعاني الخفية المرادة من النصوص.
30
صفحة غير معروفة