29
فهو أكثر ضبطا وتفصيلا، فقد عرض أولا للرسائل الفلسفية، ثم إلى مؤلفاته في علم الكلام، وعلم الفقه، والفلك والنجوم، والنحو، والطب، وأخيرا إلى نشرة الأب بويج عن مخطوطات ابن رشد الموجودة في أنحاء العالم.
وينبغي أن نلاحظ أن ما نشر بالعربية من مؤلفات فيلسوف الأندلس وشروحه لأرسطو، أقل جدا مما لم ينشر حتى اليوم بهذه اللغة، وأن كثيرا مما كتبه يوجد حتى اليوم باللغة العبرية أو اللاتينية؛ ولذلك نرى واجبا أن تهتم مصر وغيرها من البلاد العربية بنشر كل تراث هذا الفيلسوف العظيم، ومن الخير أن تهتم بذلك الإدارة الثقافية بجامعة الدول العربية، فتؤلف لهذا لجنة من العلماء المختصين الكفاة كما صنعت فيما يختص بابن سينا ومؤلفاته.
الفصل الثالث
التوفيق عند سابقي ابن رشد
الإحساس بالحاجة للتوفيق بين الدين والفلسفة أمر طبيعي يحسه المؤمن المفكر أو الفيلسوف، ومحاولة هذا التوفيق تعتبر إلى حد كبير واجبا لازم الأداء، وذلك ليحقق الانسجام بين معتقده الديني العامر به قلبه، والذي يعتبره فوق كل شك، وإن عسر عليه أحيانا أن يدرك بعض ما جاء به مما لا يتفق تماما والنظر العقلي الصحيح كما سيجيء.
لهذا نجد أمر بحث أو تقرير العلاقة بين الدين والفلسفة له أصله الإغريقي الذي لا ينكر، ونجد تقريبا كل المدارس الفلسفية في العصر القديم تحتفظ بمكان صغير تارة وكبير تارة أخرى للمسائل الدينية، كما نجد مثل هذا لدى «فيلون» اليهودي وأمثاله بالإسكندرية، وعند بعض آباء الكنيسة في العصر الوسيط، بل إن بحث العلاقة بين الدين والفلسفة أو الوحي والعقل، على أي أساس تقوم، كانت طابع التفكير في العصر الوسيط.
وهذا الاتجاه أو وجوب تقرير العلاقة بين الوحي والعقل، لا ينكره ابن رشد ولا غيره من الفلاسفة المسلمين بوجه عام؛ ولذلك نراه يصرح في أكثر من موضع من كتاباته بأن الحكماء من الفلاسفة لا يجيزون الجدل في مبادئ الشرائع، ويرون أنه لا ينبغي أن يتعرض بقول مثبت أو مبطل في مبادئها العامة، وأنه يجب أن نقلد الأنبياء والواضعين لتلك الشرائع فيما جاءوا به من مبادئ العمل وصنوف العبادات التي تؤدي للمصلحة الخلقية والاجتماعية.
1
وقد يكون من المفيد هنا أن نشير إلى أن الأوضاع الممكنة التي يصح أن تكون بين الشريعة والفلسفة لا تزيد على ثلاث: (1)
صفحة غير معروفة