والعقل يجيز البعث الجسماني أيضا، فهذا هو إمام الحرمين الجويني يقول مستدلا بالعقل على جوازه: «ووجه تحرير الدليل أننا لا نقدر الإعادة مخالفة للنشأة الأولى على الضرورة، ولو قدرناها مثلا لها لقضي العقل بتجويزها، فإن ما جاز وجوده جاز مثله؛ إذ من حكم المثلين أن يتساويا في الواجب والجائز.»
63
ولا يختلف الغزالي في هذا عن شيخه الجويني، فهو يقرر أن المعاد (يريد الروحاني والجسماني معا) دلت عليه الأدلة القاطعة الشرعية، وأنه ممكن عقلا بدليل الابتداء؛ فإن الإعادة خلق ثان، ولا فرق بينه وبين الابتداء.
ولسنا الآن بسبيل استلهام الغزالي لشيخه إمام الحرمين في هذه المسألة وفي أكثر آرائه الكلامية، وإنما الغرض بيان أن رجال علم الكلام مجمعون على أن المعاد الجسمي لا الروحي فقط سيكون في الدار الأخرى.
64
علينا إذن بعد هذا أن نعرف ماذا يرى ابن رشد في كيفية المعاد، وكيف يثبت رأيه في هذه العقيدة الأساسية في كل الأديان.
إنه يقرر أن الشرائع وإن اتفقت على مبدأ المعاد، فإنها اختلفت في كيفيته، بل «في الشاهدات التي مثلت بها للجمهور تلك الحال الغائبة، وذلك أن من الشرائع من جعله روحانيا، أعني للنفوس، ومنها من جعله للأجسام والنفوس معا.»
65
وذلك بأن مما لا شك فيه أن للنفس بعد الموت إن كانت فاضلة حالا تسمى سعادة، وإلا فحال أخرى تسمى شقاء، والوحي الذي جاء في بيان هذا الحال يختلف باختلاف الأنبياء، ومن ثم كان اختلاف الشرائع في تمثيلها.
66
صفحة غير معروفة