فتساءل في عناد: ولكن ما هو الزواج؟ - كيف أجيبك وأنا لم أتزوج ... اذهب ونم الله لا يسيئك. - لن أذهب حتى أعرف. - يا حبيبي توكل على الله وفارقنا.
قال بصوت حزين: أريد أن أعرف هل تغادران البيت إذا تزوجتما؟
فقالت في ضجر: نعم يا سيدي ... ماذا تريد أيضا؟
فقال في جزع: إذن لا تتزوجا ... هذا ما أريد. - سمعا وطاعة.
فعاد يقول في احتجاج ثائر: أنا لا أطيق أن تذهبا بعيدا عنا، وسأدعو الله ألا يزوجكما.
فهتفت: من فمك لباب السما ... عال ... عال ... ربنا يكرمك. تفضل فارقنا مع السلامة.
27
سرى في البيت شعور بأنه يستقبل من حياته المرهقة بالتزمت يوم راحة يستطيع - إذا شاء - أن يستروح فيه نسمة من الحرية البريئة في أمن من الرقيب. فظن كمال أنه غدا في حل من أن يقطع اليوم كله في اللعب داخل البيت أو خارجه، وتساءلت خديجة وعائشة ألا يمكن أن تنسلا مساء إلى بيت مريم لقضاء ساعة في لهو ومرح؟ لم تجئ هذه الراحة نتيجة لانقضاء شهور الشتاء الكالح، وحلول بشائر الربيع ملوحة بالدفء والبشاشة؛ إذ ليس من شأن الربيع أن يهب هذه الأسرة حرية يحرمها إياها الشتاء، ولكنها جاءت نتيجة طبيعية لسفر السيد أحمد إلى بورسعيد في مهمة تجارية تدعوه كل عدة أعوام إلى السفر يوما أو بعض يوم، واتفق أن سافر الرجل صباح الجمعة فجمعت العطلة الرسمية بين أفراد الأسرة ... وتجاوبت رغباتهم الظمأى إلى الحرية في الجو الطليق الآمن الذي خلقه على غير انتظار رحيل الأب عن القاهرة كلها، بيد أن الأم وقفت من رغبة الفتاتين وجماح الغلام وقفة المتردد؛ لأنها كانت تحرص على أن تواظب الأسرة على سيرتها المألوفة، وأن تلتزم - في غياب الأب - الحدود التي تلتزمها في حضوره خوفا من مخالفته أكثر منها اقتناعا بوجاهة شدته وصرامته، ولكنها ما تدري إلا وياسين يقول لها: لا تعارضي بالله ... إننا نحيا حياة لا يحياها أحد من الناس، بل أريد أن أقول شيئا جديدا ... لماذا لا تروحين عن نفسك أنت؟! ... ما رأيكم في هذا الاقتراح؟!
وتطلعت إليه الأعين في دهشة ولكن أحدا لم ينبس بكلمة، ولعلهم - كأمهم التي رمته بنظرة تأنيب - لم يحملوا قوله محمل الجد، إلا أنه استطرد قائلا: لماذا تنظرين إلي هكذا؟! ... لم أخطئ في البخاري، وليس ثمة جريمة والحمد لله ، ما هو إلا مشوار قصير ترجعين منه وقد ألقيت نظرة على جزء صغير من الحي الذي عشت فيه أربعين عاما دون أن تري منه شيئا.
فتنهدت المرأة متمتمة: سامحك الله.
صفحة غير معروفة