كلمات متلعثمة جعلتني أزداد حقدا على حقدي وأتساءل عن كنه تلك النفس التي تسيرني وتتحكم في، ولماذا هي جاحدة ناكرة للجميل؟ ولماذا لا تقصر حبها على من يحبونها فعلا وبالذات أولئك الذين لا عمل لهم في الحياة إلا حبها؟
واعتبرته كبيرا وفاهما، واعتذرت له ووعدته أن أشرح له كل شيء يوما ما، وطلبت منه أن يحضر في الغد، وأكد لي أنه سيفعل، ولكني عرفت أنه يكذب وأنه لن يأتي.
أحسست بالارتياح فعلا بعد ذهابه، وكأن مشكلتي كلها كانت في وجوده، وبنفس السرعة التي يدور بها ضوء الفنار كنت قد جمعت أحاسيسي التي شتتها وجود أخي، وكنت قد عدت إلى حالتي الأولى التي تركتني عليها سانتي.
وثبت الشمعات الخمس التي تركها أخي في طبق شاي ووضعتها أمامي مشتعلة كلها على الكتب، وثبت رأسي بين كفي وهامت عيناي في ضوئها الموحش المهتز، وفي عقلي ألف خطة.
ولكني آثرت أن أتصرف بحكمة وتعقل وأفكر.
وحاولت التفكير فلم أستطع. وجدت نفسي لا أزال أسير حالة اللامبالاة التامة، حالة أحس معها أنني لا أريد الحياة، وغير مهم أن أحيا، وأي شيء له عندي نفس أهمية أي شيء آخر، حالة تفقد فيها الأشياء أبعادها ومعانيها ولا يصبح فارق ضخم بين أن أكون مسجونا أو طليقا، ولا بين حبي لإنسان أو كرهي له. لم أكن أدري لماذا حدث كل ما حدث؟ ولا ماذا يمكن أن يحدث بعد كل ما حدث؟ أحاول التفكير أحيانا لا لكي أجد حلا، ولكن لمجرد أن أستخرج نفسي من حالة اللامبالاة هذه، فأقول: إن الخطأ كان خطئي؛ فصحيح أنه بالمحاولة التي تمت بعد الظهر قمت بعمل لم أكن أتوقع أن أجرؤ على القيام به، ولكن الخطأ أني كنت حملا أرتدي جلد ذئب. ولو فعلت ما فعلت وكلي ثقة بنفسي ورجولتي لما فشلت، الكارثة أني حاولت وأنا ضعيف، وأنا فاقد الثقة تماما في نفسي، وأنا ضامن أن النهاية ستكون هكذا وأني سأفشل، ومن يحاول فقط ليفشل فلا بد أن يفشل. وأحيانا ألقي اللوم عليها فأقول إنها هي التي خدعتني، وإنها هي التي ألقت لي بألف طعم، فلما ابتلعتها غدرت بي واستنكرت وادعت الذهول، ورغم هذا فقد كنت أحاول أن أبحث في نفسي عن ذرة حقد واحدة عليها فلا أجد. كل ما أجده خواطر تحاول أن تتلمس الأعذار لكل ما فعلته وتحملني أنا الأخطاء بالعشرات.
وكدت أعود لخنق نفسي بالدموع.
لماذا أنا تعس هكذا؟ يقولون إن الحب يسعد الناس، وأنا لم أحب مرة إلا وشقيت، وكأني لا أحب إلا لأشقى، لماذا الحب من أصله؟! أو إذا كان لا بد فلماذا أختار طريق العذاب والألم؟
أية قوة مجنونة داخلي تدفعني دائما لتمزيق نفسي؟!
9
صفحة غير معروفة