ورغما عني انتقل السؤال من عقلي إلى لساني ورحت أقول: لماذا تبكين يا سانتي؟ لماذا تبكين ... لماذا؟
ولم ترد في الحال، ظلت تقرأ البقية من الخطاب وهي تائهة، وحين انتهت منه رفعت رأسها وقالت: أنت قاس يا يحيى، أنت قاس جدا.
قلت لها وقد فرحت لأنها نطقت: لماذا يا سانتي؟
قالت وهي لا تزال تبكي: خطابك هذا، أنت قاس جدا.
فقلت لها وأنا لا أزال أضمها وأقبل عنقها من الخلف: ولكنه حقيقي، أليس كذلك؟ - لست أدري، ولكنك قسوت علي، أنا لست كما ذكرت، أنا لا أعبث بك، أنا لم أعبث بك أبدا، أنا لا أريد التفرج عليك وأنت تتعذب، أنا لست هكذا أبدا أبدا، أنا لست هكذا.
وبعنف وبكل إرادتي رحت أحاول أن أمنع قلبي من أن يدق ذلك الدق الجنوني الذي كان يدق به، لا لكلماتها ولكن لأنني في تلك اللحظات بدأت أتبين حقيقة غريبة ينكشف عنها الموقف، كانت سانتي تمر بالحالة التي أعرفها جيدا في النساء، الحالة التي تحس فيها بالمرأة جسدا وشخصية وروحا قد بدأت تفقد صلابتها الطبيعية وتلين بين يديك حتى ليمكنك أن تفعل بها ما تشاء.
ولم يكن قلبي يدق من الفرح، ولا من الإحساس بالانتصار العظيم الذي عملت من أجله طويلا، ولم أكن أعرف لحظتها لماذا يدق، ربما من الخوف، ربما من رهبة الإقدام على عمل هائل مروع.
وبدأ ريقي يجف وينضب.
ورحت أردد من خلال حنجرة جافة ولسان جاف: لماذا يا سانتي؟ لماذا؟ لماذا أردد الكلمات فقط وأنا أفهم معناها ولا أعيها، بل حتى المناقشة الصغيرة التي نشبت بعد هذا لم أكن أعنيها، ولا كنت أفكر فيها، لا لأني كنت مشغولا بالتفكير في شيء آخر؛ إذ الواقع لم أكن أفكر في أي شيء بعينه، ولا حتى في سانتي. قلت لها: ولكن كلامي حقيقي، أليس كذلك؟ أنت فعلا تتفرجين على حبي لك ولا تريدين أن تتبيني أني أتعذب، ولا حتى أني أحبك فعلا حبا حقيقيا مجنونا، انظري إلي! انظري إلي! افتحي عينيك الجميلتين وانظري إلي! تبينيني ولو مرة واحدة.
قالت ودموعها تتساقط بسرعة أكثر: أنت قاس يا يحيى، أنت قاس. - لا يا حبيبتي، لست قاسيا، أنا أحبك يا سانتي، أنا أحبك، هل تعرفين هذا؟ أنا أحبك.
صفحة غير معروفة