قال أبو بكر: قال كثير من أهل العلم لا جمعة على المسافر، كذلك قال ابن عمر وعمر بن عبد العزيز وطاووس وعطاء، وهو قول مالك والثوري وأحمد وإسحاق، وقد روينا عن علي بن أبي طالب أنه قال: ليس على المسافر جمعة، وأقام أنس بنيسابور سنة أو سنتين فكان لا يجمع، وعبد الرحمن بن بشير شتوة أو شتوتين فكان لا يجمع. وقال الزهري: إذا سمع الأذان فليشهد الجمعة، وقد اختلف فيه عنه. قال أبو بكر: في صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الظهر بعرفة من قبل وكل يوم جمعة دليل على أنه لا جمعة على المسافر.
قال أبو سعيد: معي أنه يخرج في معاني قول أصحابنا أنه لا جمعة على المسافر، وإنما هي على المقيم، وقد يستحيل على المقيم في قولهم لمعنى ما مضى ذكره، وأما قوله الاستدلال بصلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - بعرفة، وكذلك لا تكون صلاة معنا بعرفة إلا ظهرا غير جمعة؛ لأنها ليست من الأمصار، إلا أن يقيم فيها الإمام ويجعلها مقامة، ويكون فيها المسجد، وأنه يكون فيه الجمعة إذا كان إمام عدل على بعض ما قيل.
ومنه قال أبو بكر: اختلف أهل العلم في المقيم يريد السفر يوم الجمعة، فقالت طائفة: لا بأس به ما لم يحضر الوقت، كذلك قال الحسن البصري وابن سيرن ومالك، وقال عمر: إن الجمعة لا تحبس عن سفر، وروي عن أبي عبيدة أنه خرج في بعض أسفاره يوم الجمعة ولم ينتظر الصلاة، وقد روي عمر وعائشة أم المؤمنين وسعيد بن المسيب ومجاهد، أخبار تدل على كراهية الخروج يوم الجمعة قبل الصلاة، وكان الشافعي يستحب أن يخرج يوم الجمعة بعد الفجر، وقال: إذا زالت الشمس فلا يسافر أحد، حتى يصلي الجمعة. وقال أحمد وإسحق لا يعجبنا ذلك، وسئل الأوزاعي عن مسافر سمع أذان الجمعة وقد أسرج دابته؟ قال: فليمض. قال أبو بكر: أن يسافر ما لم يحضر الوقت.
صفحة ٩٥