قال أبو سعيد: معي أنه يخرج في قول أصحابنا أن صلاة الطالب المنهزم عنه عدوه صلاة الآمن صلاة نفسه، ويخرج عندي في صلاة نفسه أنه إن كان مقيما أتم، وإن كان مسافرا قصر، وذلك عندي إن كان عدوه منهزما عنه آمنا من الرجعة عليه، وأما إذا كان في حد المكاره، فمرة منهزم ومرة يرجع عليه، فهذا يخرج عندي معنى صلاة الخوف وصلاة الموافقة ، فإذا انهزم عنه الانهزام الذي يأمن منه على نفسه صلى صلاة نفسه بالقيام والركوع والسجود، فإن خاف في طلبه الغدر صلى الله عليه وسلم /227/ صلاة الخوف، راكبا أو ماشيا، كما قال تعالى: {فإن خفتم فرجالا أو ركبانا} ويصلي راجلا ما أمن على نفسه، فإذا خاف صلى راكبا، والراكب يومئ للركوع والسجود، وهذا الفصل مما حكى أنه إذا انفصلت شرذمة للمسلمين خلف عدوهم، وخاف رجعة عدوهم عليهم من غير أن يرجعوا، أو يوافقهم فيستحيلوا إلى الموافقة، إلا أنهم خافوا حسن عندي موضع صلاة الخوف، وأن يصلوا ركبانا ويأخذوا حذرهم.
ومنه قال أبو بكر: كان مالك والأوزاعي والشافعي وأحمد بن حنبل يرون أن يصلي الحاضر صلاة الخوف أربع ركعات، وكان سفيان الثوري يقول: إذا كنت بأرض تخاف السبع والذئب والعدو أن يأخذك أومأت إيماء حيث كان وجهك واقفا كنت أو سائرا، وهذا على مذهب الأوزاعي والشافعي وإسحاق وأبي، وقال مالك: فيمن خاف أرضا أو سبعا صلى المكتوبة على دابته، فإذا أمن أعاد في الوقت، وقال أبو بكر: لا يعيدون.. وقال محمد بن الحسن: إن كان لا يستطيع أن يقوم من خوف العدو وسعه أن يصلي قاعدا يعيد.
قال أبو بكر: لا يعيد، وكان الشافعي يقول: إن دخل الصلاة في شدة الخوف راكبا ثم نزل فأحب إلي أن يعيد، فإن لم ينقلب وجهه عن القبلة لم يعد؛ لأن النزول خفيف، وقال أبو ثور: أساء في الحالتين جميعا، ولا إعادة عليه. قال أبو بكر كما قال أبو ثور.
صفحة ٨٤