قال أبو سعيد: معي إنه يخرج في قول أصحابنا إن السفر الذي يجب فيه القصر هو مجاوزة الفرسخين لمن يقصر. ومن بعض مذاهبهم أنه إذا خرج من عمران بلده يريد مجاوزة الفرسخين قصر من حينه. وقد قيل إن عرفة من حدود مكة إحدى عشر ميلا، وأن منى من مكة خمسة أميال، فعلى القول من قول أصحابنا إن أهل مكة إذا خرجوا من منى يريدون عرفة قصروا الصلاة من حين يخرجون من عمران مكة، وهم في منى ليلة عرفة وطريقهم إلى عرفة وبعرفة ورجعتهم إلى منى إلى أن يزداروا ويقصروا الصلاة، فإذا ازداروا رجعوا إلى منى انحل عنهم حكم القصر ورجعوا إلى التمام أيام منى بمنى، لأنهم لا يريدون مجاوزة الفرسخين، ولا يجازونها؛ لأن خمسة أميال فرسخان وثلثان. وأما قصر النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وعمر وقد كانوا مسافرين على ما شهر من أمرهم كما قال، ولكنه لو كان القصر ممنوعا لأهل مكة في الحج لما كان أد بذلك من أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ولكان يأمرهم بذلك بصلاتهم في صلواته. /315/ كما كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يأمر أهل مكة بمكة إذا صلى بهم قصرا فيقول: يا أهل مكة إنا قوم مسافرون فأتموا صلاتكم، وكان هذا هو الشاهد ن فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وعمر أن يقصروا الصلاة بالناس في الإمامة في مكة؛ لأنهم الأئمة في ذلك، ولا يقدمهم أحد في الصلاة كانوا مسافرين أو مقيمين، أعني في التقديم، ولكن الاجتماع على صلاتهم بالقصر جمعا على غير نكير منهم، ولا أمر بالتمام كما كان يأمر به في مكة، مما يدل معنا أن القصر لازم وجائز للحاج من أهل مكة وغيرهم، إلا لمن يجاوز الفرسخين من وطنه وموضعه، فإن كلا يخصه حكمه في حج أو غيره. [بيان، 23/315]
الجزء 25
ذكر الناذر بحج يموت قبل أن يقضيه.
صفحة ١٦٢