قال عليه السلام: ثم إن خلافكم في التحقيق راجع إلى وجه قبح ذلك القبيح وحسن ذلك الحسن لا في ثبوت القبح والحسن، فقد اعترفتم بأنه ضروري ولم تناكروا فيه، وتعيين الوجه أمر مما يعلم بالدليل وليس بضروري فلم تنكروا الضرورة هنا، ثم قال عليه السلام: وإن زعمتم أنه حكي عنكم ما لا تقولون به وقلتم لا تجدون فرقا بين الكذب والصدق والعدل والجور ناديتم على أنفسكم بالسفسطة، بل بأبلغ منها وهو الالتحاق بالبهائم، بل تكونوا شرا من البهائم لأنا نجدها تفرق بين الحسن وغيره، وحينئذ لا تستحقون أن يراجعكم عاقل كما لا تراجع الوحوش وسائر البهائم.
قلت: وقدصرح بمثل مقالة الرازي سعد الدين في شرح المقاصد قال: وليس النزاع في الحسن والقبح بمعنى صفة الكمال والنقص كالعلم والجهل، وبمعنى الملائمة للغرض وعدمها كالعدل والظلم، وبالجملة كلما يستحق عليه المدح أو الذم في فطر العقول ومجاري العادات فإن ذلك يدرك بالعقل ورد الشرع أم لا، وإنما النزاع في الحسن والقبح عند الله بمعنى استحقاق فاعله في حكم الله المدح أو الذم عاجلا، والثواب أو العقاب آجلا، فقد صرحوا بتسليم وجدان ذلك في عقولهم كما ذكرناه، وإنما امتنعوا من ذلك في أفعاله تعالى وأوامره ونواهيه لئلا يلزمهم القول بالحكمة المقتضية لزوم تعلق ذلك بالعلل والأغراض.
صفحة ٢٥