البيان الصريح والبرهان الصحيح في مسألة التحسين والتقبيح

الإمام المتوكل على الله إسماعيل ت. 1087 هجري
124

البيان الصريح والبرهان الصحيح في مسألة التحسين والتقبيح

وأما ثانيا: فلأنه لا يحصل الضرر إلا بإدراكها، فإذا كان الضرر مقصودا والإدراك من لوازم الضرر كان مأذونا فيه؛ لأن لازم المطلوب مطلوب، ولا يجوز أن يكون الغرض أمرا وراء الإضرار والانتفاع؛ لأنه باطل بالإتفاق، فثبت أن الغرض هو الانتفاع، وذلك الانتفاع لا يعقل إلا على أحد ثلاثة أوجه: إما بأن يدركها، وإما بأن يجتنبها لكون تناولها مفسدة، وإما بأن يستدل بها وفي ذلك إباحة إدراكها؛ لأنه إنما يجتنب المفسدة بتجنبها إذا دعت النفس إلى إدراكها، وفيه تقديم إدراكها، وإنما يستدل بها إذا عرفت والمعرفة بها موقوفة على إدراكها؛ لأن الله تعالى لم يخلق فينا المعرفة من دون الإدراك، فصح أنه لا فائدة فيها إلا إباحة الانتفاع.

قالوا: وقولهم لا حكم، هو حكم بعدم الحكم، والجمع بين إثبات الحكم وعدمه متناقض، وقد سلم هذا الاستدلال في حاشية (العضد) قال: فإن قيل: الحكم بعدم الحكم أيضا حكم.

قلنا: نعم لكنه رده على زعمه بقوله لكن لا يأت الفعل في نظر الشرع محظور أو مباح أو غير ذلك على ما هو المتنازع فيه، هذه ألفاظه.

وقد عرفت أن النزاع إنما هو في حكم الأشاعرة عقلا قبل ورود الشرع لا في حكم الشرع، فرده إلى مجرد الدعوى المتنازع فيها.

واحتج المبيح والحاظر على الوقوف بأن هذه التصرفات إما أن يكون ممنوعا عنها فيكون على الحظر أولا فيكون على الإباحة، ولا واسطة بين النفي والاثبات.

صفحة ١٣٣