بجميع أسماءِ اللغة العربية [وبألفاظها] التى هى ظروف المعانى والحوامل لها، ولا تدرك أَفهامهم جميع معاني الأَشياء المحمولة على تلك الأَلفاظ، ولا تكمل معرفتهم لاستيفاء جميع وجوه النظوم التى يكون ائتلافها وارتباط بعضها ببعض، فيتوصلوا باختيار الأَفضل عن الأَحسن من وجوهها إلى أن ياتوا بكلام مثله، وإنما يقوم الكلام بهذه الأشياء الثلاثة: لفظ حامل، ومعنى به قائم، ورباط لهما ناظم. وإذا تأَملت القرآن وجدت هذه الأمور منه في غاية الشرف والفضيلة حتى لا ترى شيئًا من الألفاظ أفصح ولا أجزل ولا أعذب من ألفاظه، ولا ترى نظمًا أحسن تأليفًا وأشد تلاؤمًا وتشاكلًا من نظمه. وأما المعاني فلا خفاءَ على ذي عقل أنها هي التي تشهد لها العقول بالتقدم في أبوابها. والترقي إلى أعلى درجات الفضل من نعوتها وصفاتها.
وقد توجد هذه الفضائل الثلاث على التفرق في أنواع الكلام، فأَما أَن توجد مجموعة في نوع واحد منه فلم توجد إلا في كلام العليم القدير، الذي أحاط بكل شيء علمًا، وأحصى كل شيء عددًا.
فتفهم الآن واعلم أن القرآن إنما صار معجزًا لأَنه جاءَ بأَفصح الألفاظ في أحسن نظوم التأليف مضمنًا أصح المعاني، من توحيد له عزت قدرته، وتنزيه له فى صفاته، ودعاء إلى طاعته، وبيان بمنهاج عبادته؛ من تحليل وتحريم، وحضر وإباحة، ومن وعظ وتقويم وأمر بمعروف ونهي عن منكر، وإرشاد إلى محاسن الأخلاق، وزجر عن مساوئها، واضعًا كل شيءٍ منها موضعه الذي لا يرى شيء أولى منه، ولا يرى في صورة العقل أمر أليق
1 / 27