موضعه. وحذف ما يستغنى عنه من الكلام نوع من أنواع البلاغة، وإنما جاز حذف الجواب في ذلك وحسن لأن المذكور منه يدل على المحذوف والمسكوت عنه من جوابه، لأن المعقول من الخطاب عند أهل الفهم كالمنطوق به والمعنى: لو أن قرآنًا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى لكان هذا القرآن. وقد قيل: إن الحذف في مثل هذا أبلغ من الذكر لأن النفس تذهب في الحذف كل مذهب، ولو ذكر الجواب لكان مقصورًا على الوجه الذي تناوله الذكر. فحذف الجواب كقوله: لو رأيت عليًا بين الصفين! وهذا أبلغ من الذكر لما وصفنا. وكذلك قوله سبحانه: ﴿وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرًا حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها ..﴾ الآية والمعنى كأنه قيل: لما دخلوها حصلوا على النعيم المقيم الذي لا انقطاع له ولا تكدير فيه.
وأما ما عابوه من التكرار؛ فإن تكرر الكلام على ضربين: أحدهما مذموم وهو ما كان مستغنى عنه، غير مستفاد به زيادة معنى لم يستفيدوه بالكلام الأول، لأنه حينئذ يكون فضلًا من القول ولغوًا. وليس في القرآن شيء من هذا النوع.
والضرب الآخر ما كان بخلاف هذه الصفة، فإن ترك التكرار في الموضع الذي يقتضيه. وتدعو الحاجة إليه فيه، بإزاء تكلف الزيادة في وقت الحاجة إلى الحذف والاختصار، وإنما يحتاج إليه ويحسن استعماله في الأمور المهمة التي تعظم العناية بها ويخاف بتركه وقوع الغلط والنسيان فيها والاستهانة بقدرها. وقد يقول الرجل لصاحبه في الحث والتحريض على العمل: عجل
1 / 52